أحبني طفل الجزء الأخير
ما إن فتحت الهاتف حتى وجدت ما يزيد عن عشرين مكالمة فائتة ، وعشرين رسالة بها :
أين أنتِ ؟! أنا قلق عليكِ ، حالما تفتحي الهاتف كلميني ، أنا أحبكِ كثيراً ، أنتِ زوجتي الغالية ،
لا تدعي الشيطان أو أي أحد يدخل بيننا ، أنتِ زوجتي وستبقين كذلك للأبد ، لا تنسي أنكِ بعد أيام ستكونين معي.
قرأت تلك الكلمات ودموعي تنهمر على وجنتي ثم أرسلتُ له : أريد الطلاق.
لم تمضِ بضعة دقائق حتى أرسل لي : هل أنتِ مجنونة ؟! ، لا تسمحي لأحد بالتأثير عليكِ ، لا تسمعي كلام أحد ، اسمعي صوت قلبك.
فأرسلتُ له : أيُّ قلب ! لقد مزَّقْتَه.
حبيبتي ، أنا حالياً بالعمل ومضطر أن أغلق الهاتف لساعتين ، حالما أنتهي سأتكلم معك.
ما إن أغلقتُ حتى قالت أمي : جهزي نفسكِ نريد الذهاب لأمه.
وصلنا إلى منزل أمه ، وما إن قبَّلتُ يدها حتى قالت : أهذا هو الحب الذي تحبيه لابني؟! كيف طلبتي الطلاق وتدَّعين حبه؟!
فانتفضت أمي قائلة : ما هذا الكلام الذي تقوليه ؟! ابنكِ بالوقت الذي يجب أن يتكلم به مع زوجته ،
قال لها أغلقي الإنترنت وأمضى الليل يتحدث مع غيرها ، هل يوجد تفسير لتصرفه ، سوى أن من يتحدث معها هي عشيقته ،
ومن المحتمل أنها كانت برفقته كل الليل وبغرفة واحدة.
فردت أمه محتدة : إنَّ ابني لا يقوم بشيء يغضب الله ، وما هي إلاّ صديقته ، وهي أيضاً ستأتي لزيارتنا بعد زواجه ،
فأنا تحدثت معها وهي ودودة جدا.
وبلحظة رنَّ هاتف أمي فإذا بتلك الفتاة أرسلت لها شتائم أردفتها قائلة :
قولي لابنتك أن تطلب الطلاق ، فزوجها ليس سعيداً معها ولن تستطيع إسعاده.
فقالت أمي لأمه : انظري ماذا أرسلَتْ الودودة ، بعد أن قلت لها ماذا تريدين من رجل متزوج وزفافه بعد أيام.
إقرأ أيضا: إنتماء
صمتت أمه لدقائق ثم قالت بتلعثم : هذه هي مشاعرها نحو ابني ، أما ابني فلا يحب سوى ابنتك.
فردت أمي محتدة : هل أنتِ مقتنعة بما تقولين ؟! إنَّ ابنكِ يتحدث معها منذ مدة طويلة ،
وقال لزوجته أنا متفاهم مع تلك الفتاة وأريدكِ أن تكوني مثلها ،
هذا يعني أنه يقول لتلك الفتاة كلمات غزل ، ثم أوقعها في غرامه ،
وأنا أشعر أنكِ أنتِ من أقنعتيه بالزواج من ابنتي ، وهو لا يريدها.
فقالت : وأين سيجد مثل أخلاق ابنتكِ وسمعة عائلتها ، غير أننا نعرفكم منذ سنين طويلة ،
فهي المناسبة بأن تكون زوجة له وأماً لأولاده.
فضحكت أمي قائلة : أكدتِ كلامي دون أن تشعرين.
حاولت أمه تغيير الكلام بأن طلبت مني إعداد القهوة ، وبدأت تذكرني بالأكلات التي يحبها ابنها والتي نريد أن نطبخها حالما نصل إليه.
زادني كلامها ألماً ، فتنهدت بحسرة وقلت في قرارة نفسي : ستصلين إليه وحدكِ أما أنا فلن أراه ما حييت.
ما إن خرجنا حتى انهارت دموعي ، فقالت أمي وهي تحاول مواساتي : لا تحزني يا ابنتي ، إنه الخاسر الوحيد.
لكن حينها لو قيل لي كل كلمات اللغة العربية لمواساتي لن تخفف حزني وألمي على صدمتي ممن عشقه قلبي.
عدنا إلى المنزل ، فسَرَدَت أمي لأبي كل الكلام الذي قالته حماتي فقال لي :
معكِ يومان لتقرري إما أن تسافري إليه ، أو تطلبي الطلاق ، لكن ضعي ببالكِ أنها إن كانت عشيقته وكان بينهما شيء ،
فلن تطلبي الطلاق بعد أن تصبحين معه ، وعليكِ أن تحتملي أسوأ النتائج التي ستعقب سفركِ إليه.
فتحت محادثتي معه فإذا به أرسل لي : هل أنتِ مُصِّرة على الطلاق ؟!
نعم .
فأرسل لي : كانا يعشقان بعضهما وافترَقا ، بعد سنوات التَقَيا وكل منهما يحمل طفلاً ، نادَيا بعضهما ، فردَّ الطفلان نعم.
إقرأ أيضا: بقرة اليتامى
حينها انهمرت دموعي بصمت وقلت في قرارة نفسي :
إنَّ الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أني سأنفصل عنك وأنا لا زلتُ أحبك ،
أما أنت فلم تحبني يوما ، ولم أكن بالنسبة لك سوى دمية أعجَبَكَ وجهها فأرَدْتَ امتلاكها.
في اليوم التالي اتصلَتْ أمه بي لتحاول إقناعي بالسفر معها والتراجع عن فكرة الطلاق ، لكني قلت لها :
هل تضمنين لي ، أنه لن يأتي يوم ويقول لي لم أعد أريدكِ وأريد امرأة غيرك ؟!
بالطبع لا.
لقد فقدْتُ الأمان معه ، والأمان هو شعور أقوى من الحب ، إنْ غاب في أي علاقة فلم يعد للحب قيمة.
حاول أن يثير استعطافي برسائل عن الفراق ، لكنه لم يعي أنّي دفنت حبه بقلبي ،
ولو كانت حياتي متوقفة على السفر إليه ، لاخترتُ الموت عوضاً عن ذلك.
في اليوم الذي يليه ، أتى عمه برفقة المأذون ، ولآخر لحظة كنت أتمنى أن يقول للمأذون لن أطلقها ، فأنا أحبها ،
لكن اعتقادي بأنه لم يحبني يوماً كان صحيحاً ، فلم يلفظ الطلاق إلا بعد أن تأكد أني قد تنازلتُ عن حقوقي ،
وما إن قال المأذون لقد طَلَّقَها حتى شعرتُ كأنَّ روحي انفَصَلَتْ عن جسدي.
في اليوم التالي صحوْتُ بقلب ميت ، وكأنَّ ما عشته كان كابوساً ، فقد قادَني إليه قَدَر ، وسرَقَهُ مني آخر ، وبين القَدَرين فقدتُ قلبي.
جميع من حولي قالوا لي : بعد مرور أيام ستنسيه. ، لكني لم أستوعب كيف كان ملكي ،
وأصبح غريباً عني ، واستحالَ لقائي به ، وكيف أوهمني كل الأيام التي أمضيناها معاً أنه أحبني ،
لكن وبرغم كل الألم الذي عشته لم أستطع أن أكرهه ، فمن استوطنوا أعماق قلوبنا ذات يوم ،
يستحيل أن نكرههم ، بل نكره منهم أفعالهم ، ومع كل ذلك تمنيت له الخير في حياته.
حاولت نسيان ما حصل معي ، بالذهاب إلى الجامعة ولقاء صديقاتي ، لكني أصبحتُ أرى وجهه بوجوه الناس أكثر من السابق ،
إقرأ أيضا: خادمة تدخل الحمام لتفرغ حليب صدرها وكفيلتها ماذا فعلت؟
مما جعلني أصاب بأزمة نفسية ، جعلَتني كلما حزنت أو غضبت أصاب بتشنج ، فاستدعى ذلك ذهابي لطبيب نفسي.
تناولت أدوية مضادة للاكتئاب على مدى أشهر لكني لم أستفد أي شيء سوى أنَّ حالات التشنج قد توقفَتْ ،
أما الحزن فقد استوطن أعماقي ، فقد كان علاجي هو الرجل الذي تسبب بحزني.
إلى أن أتى يوم وأصرَّ والداي عليَّ لأذهب معهما لزيارة ابن عم أبي ، وبعد أن عدنا قالت لي أمي :
ما رأيك بالإبن الأكبر لابن عم أبيكِ؟!
من أي ناحية.
شكله .
لا بأس به.
عزيزتي ، لقد أُعجِبَ بكِ منذ اللحظة الأولى التي رآكِ بها ، وكأنه عاد للوطن بعد سنين ، وبعد طلاقكِ ، لأجلكِ فقط ،
ووالداه يريدانكِ لابنهما ، وأنا وأبوكِ موافقان ، فيكفي أنه قريبنا ومن لحمنا ودمنا ، ونحن نعرفه ونعرف أخلاقه منذ أن كان صغيرا.
فانتفضت قائلة : لقد رأينا ما بَدَرَ من الذي كنا نعرف أخلاقه منذ أن كان صغيراً.
عزيزتي ، انسيه بماضيه فهو سعيد بزواجه وينتظر مع زوجته ولادة ابنهما الأول على أحرّ من الجمر.
كان كلامها كالصفعة على وجهي ، مما جعلني أقول لها :
موافقة ، لكن يجب أن أتحدث معه أولاً لأفهم طريقة تفكيره.
بعد مضي بضعة أيام ، أتى لرؤيتي الرؤية الشرعية ، وأمام الجميع قلت له :
إن طلبتُ منكَ إعطائي كلمة السر الخاصة بهاتفك ،
وتسمح لي بتصفح جميع محادثاتك على جميع التطبيقات هل ستوافق؟!
فابتسم قائلاً : بالطبع.
إقرأ أيضا: مر المجرم من أمام باب المنزل الذي كان مفتوحا بشكل بسيط
ثم أخرج هاتفه وقال لي كلمة السر ، لكني لم أتردد لحظة بالدخول لكافة محادثاته والبحث عن دردشة له مع فتاة ،
لكني لم أجد سوى ما يخص العمل والأصدقاء.
وبعد دقائق قلت له : بعد الزواج سأخرج للشارع كما أنا الآن أي لا أضع خماراً ولا نقاب.
فابتسم قائلاً : الخمار والنقاب بديننا ليس فرضاً كالحجاب ، وإنما تؤجر من أرادَت ارتداؤه بكامل إرادتها ، وليس عنوة عنها.
صمتت لبرهة ثم قلت : لا أريد أن أقوم بأي نظام غذائي ، فقد خسرت وزناً بالأشهر الفائتة بما يكفي .
فضحك قائلاً : لقد أعجبتُ بكِ كما أنتِ ، ولو كان وزنكِ ضعف الحالي ، لن أطلب منك عمل نظام غذائي.
نظرت له بدهشة ، فقد أعجبني تفكيره العقلاني وطريقة ردوده ، مما جعلني أوافق على رؤيته في المرات القادمة.
بعد انتهاء الرؤية الشرعية ، أخبرتُ والداي بموافقتي على الخطوبة منه ، لأتوغّل في دراسة تفكيره أكثر.
استمرت خطوبتنا لأشهر ، حاولتُ بها أن أتناقش معه بمواضيع مختلفة ، وأعطي رأياً يخالف رأيه ،
حتى لو كان رأيي يوافقه ، فقط لأرى ردة فعله ، وأصرَّيتُ على الحديث معه بطريقة مستفزة لعله يقوم بشتمي مرة واحدة لو من باب المزاح ،
لكي أقول لوالداي أريد أن أفسخ الخطوبة فجميع الرجال سواسية ، لكنه كان صبوراً هادئاً لأبعد الحدود.
لم أنسَ أن أفاجئه أحياناً بطلب هاتفه لأتصفح جميع محادثاته لعله نسيَ محادثة ما ولم يقم بحذفها ،
إلى أن شعرت أني بدأت أُعجَب به وأراه وسيماً جذاباً على الرغم من أني كنت أراه مقبولاً ،
فجمال عقله طغى على شكله ، فأيقنتُ حينها أني بدأت أغرم به.
إلى أن قال لي : لقد أتاني عمل خارج البلاد ، وأريد أن أسافر بضعة أشهر ، لأستقر هناك ثم أرسل لكِ لتلحقي بي ،
ولن أقيّدك بعقد القران قبل سفري ، فعقد القران لن يتم إلا بعد أن تكوني متأكدة من موافقتكِ على الزواج بي ،
وبعد أن تنهي دراستكِ.
إقرأ أيضا: ما رأيك بهذا الفستان؟
بعد سفره شعرتُ كأنَّ روحي ذهبت معه ، وبعد أن ابتعد عني شعرتُ بقيمة وجوده ، مما جعلني أرسل له رسالة كتبت بها :
أحبك.
فردَّ قائلا : أحببتكِ منذ اللحظة الأولى التي رأيتكِ بها ، وخشيتُ من الاعتراف بذلك خشية من رفضكِ فكرة الحب مرة أخرى.
ما إن تخرجت حتى تم زواجنا ، وسافرتُ إليه بكامل الاطمئنان ، وبعد زواجنا بفترة قصيرة بدأت أشعر بالحنين لبلدي وحياتي السابقة مما جعلني أفتعل المشاكل معه وأطلب الطلاق مراراً وتكراراً ، لكنه كان يقول في كل مرة :
هل أنا مجنون لأطلقكِ وأدعَ هذا الجمال لرجل غيري؟!
ذات يوم وبلحظة ما تذكرت الخيانة التي تعرضت لها في السابق مما جعلني أطلب منه أن يزيل كلمة السر ،
ليسهل عليَّ تصفح محادثاته في أي وقت.
اعتقدت أنه سيعترض لكنه قال لي : أنا أتفهم ما عشتيه سابقا.
حينها أيقنت أنَّ من كان صادقاً بحبه نحو أحدهم ، سيرزقه الله شخصاً صادقاً معه ،
وأنَّ الله ما قربني من طليقي لدرجة عقد القران ثم قدَّرَ طلاقي ،
إلا ليجعلني أرى بوضوح أنه لم يحبني بصدق ، ولكي يُقرِّبَ مني الذي سيحبني بصدق.
والآن وبعد مرور سنوات على زواجي منه وإنجابي طفلة كأنها نسخة عنه ،
أيقنتُ أنَّ شعور الحب ينتهي مع مرور الزمن ولا يبقَ سوى شعور المودة والرحمة والأمان.
وبرغم كل اختلافاتنا التي لم تتضح إلا بعد أن عشنا تحت سقف واحد ، والشجارات الزوجية المعتادة بين أي اثنين والتي لا مفرَّ منها ،
لكني لا زلت أشعر معه بالأمان بأنه لن يأتي يوم ويخونني به أو يستبدلني بامرأة أخرى ، فمن أحبَّني رجل.