أحسن إلى من أساء إليك
أحسن إلى من أساء إليك
فتح غني باب داره ليجد وجه رجل غريب ، سأله الرجل بأدب معروفا وبدأ ثوبه رثا ومثقوبَا.
رق قلب الغني له لكنه ارتاب منه فأدار ظهره وسأله عن مطلبه.
قال : إني فقير معدم ومنك يرجی الكرم.
قَال الغني : من أين أتيت؟ وهل أنت فقير حقا؟ لا يبدو عليك الفقر.
قَال الفقير : أتيت من بلد بعيد ربما لا تعرفه بيننا وبينه مسافات ،
فررت من ظلمي لنفسي لكن الله عاقبني وندمت حق الندامة وهل بعد ما أنا فيه من ملامة.
وتابع يقول : كنت رجلا غني ولا أحفل بالفقير ولا أرق ليتيم أو معسر ،
بل كان همي جمع المال من كل مكان وبأي وسيلة ولو ترتب على ذلك ظلم أو أذية.
طأطأ الرجل رأسه خجلا وقال : وفي يوم وضعت في مخزني مالا وفيرَا وأشياء غالية الثمن فأراد الله معاقبتني ،
فاحترق كل ما أملك ولم يبقى إلا الرماد.
فبعت الأرض والذهب لأسدد بعض ديوني فلم تفي بنصف ما أنا مطالب به فخرجت هائم على وجهي هارب من ظلمي لنفسي ،
أدعو الله أن يغفر لي ويسامحني على إساءاتي.
انصت الغني لكل الكلام وأمسك دمعة كادت تسقط من عينيه ثم قال : هذه أموالي فخذ منها ما تشاء.
ظن الفقير أن الغني يستهزئ به وأخذ منه صرة كبيرة اعتقد أنها تحتوي على بعض الطعام ولكنه وجدها مليئة بالمال والذهب ،
وقال له : هيا اذهب من هنا وابدأ حياتك من جديد.
إقرأ أيضا: الرجولة في الصبر
اقترب ابن الغني وقد سمع الحوار فقال الأب : لا تستغرب يا بني أتذكر آثار الأسواط على ظهري إنها من أعمال هذا الرجل ،
فقد كنت أعمل عنده حمالا وهربت منه لكثرة ظلمه.
وسقطت دمعة حارة من عين الأب ، ثم تابع يقول لقد أوقعه الله بين يدي وكنت في الماضي مصر على رد إساءاته ،
أما الآن وبعد أن رأيته عفوت عن ظلمه وأعطيته ما رأيت ولم أذكره بنفسي.
ومضى الإبن فخورا بأبيه لأنه كان يعرف مقدار معاناة الأب مع سيده القديم ،
ولكنه أبى أن يرد الإساءة بالإساءة والظلم بالظلم بل كان حقا مثال العفو عند المقدرة.