أحمد بن حنبل إمام أهل السنة وفتنة خلق القرآن
عاصر الإمام أحمد بن حنبل ثمانية من الخلفاء العباسيين هم :
المهدي ، والهادي ، الرشيد ، الأمين ، ﻭﻫﺆﻻﺀ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﺴﻠﻒ.
وﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ، ﺍﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ، وﺍﻟﻮﺍﺛﻖ
ﻭﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻇﻬﺮﻭﺍ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ﻭﺍﻣﺘﺤﻨﻮﺍ ﺍﻟﻨﺎس.
وﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺸﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺍﻟﻐﻤّﺔ ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺍﻟﺴﻨﺔ ، ﻭﻣﺤﺎ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ، ﻭﺃﺧﻤﺪ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ، ﻓﺮﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ.
فتنة خلق القرآن التي ظهرت بسبب الجدل مع النصارى ، وﺗﻌﺮﻳﺐ كتب الفرس واليونان وغيرهم ، ﺗﻘﺮﻳﺐ الخلفاء ﻷﻫﻞ ﺍﻟﺒﺪﻉ.
وﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﺪﺃ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ هو : ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ.
وكان ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ إنسان اسمه : ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺩُﺅَﺍﺩ.
وﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺪﺃ ﺍﻣﺘﺤﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻓﻴﻬﺎ كانت : 218 ﻫـ
وكانت ﻋﻘﻮﺑﺔ ﻣﻦ ﻳﻤﺘﻨﻊ ﻋﻦ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﺨﻠﻖ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ : ﺍﻟﺤﺒﺲ وﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﻋﻠﻴﻪ وﺍﻟﻀﺮﺏ وﺍﻟﻌﺰﻝ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻇﻴﻔﺔ ،
وﻗﻄﻊ ﺭﺯﻗﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻤﺎﻝ.
وﺃﺷﻬﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺍﻣﺘﺤﻨﻮﺍ :
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ ؛ ﻛﺎﺗﺐ ﺍﻟﻮﺍﻗﺪﻱ.
ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﻣﻌﻴﻦ.
ﺃﺑﻮ ﺧﻴﺜﻤﺔ.
ﺃﺑﻮ ﻣﺴﻠﻢ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﻠﻲ.
ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻦ ﺩﺍﻭﺩ ﺍﻟﺠﻮﺯﻱ.
ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺪﻭﺭﻗﻲ.
ﺍﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻣﺴﻌﻮﺩ.
( ﻭﻫﺆﻻﺀ ﺃﺟﺎﺑﻮﺍ ﺧﻮﻓﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﻒ ، ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻢ )
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ : ( ﻫﺆﻻﺀ ﻟﻮ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺻﺒﺮﻭﺍ ﻭﻗﺎﻣﻮﺍ ﻟﻠﻪ ﻟﻜﺎﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻗﺪ ﺍﻧﻘﻄﻊ ،
ﻭﺣﺬِﺭَﻫﻢ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻳﻌﻨﻲ : ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ، ﻭﻟﻜﻦ ﻟﻤﺎ ﺃﺟﺎﺑﻮﺍ ﻭﻫﻢ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﺒﻠﺪ ﺍﺟﺘﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ.
وﻫﻢ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺛﻠﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺜُّﻠﻤﺔ ، ﻭﺃﻓﺴﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ).
ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ.
ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﻮﺡ.
ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻘﻮﺍﺭﻳﺮﻱ.
ﺍﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ ﺳﺠَّﺎﺩﺓ.
إقرأ أيضا: التوسل والتضرع
( ﻭﻫﺆﻻﺀ ﺃﺑﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺠﻴﺒﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎً ، ﻓﺤﺒﺴﻮﺍ ﻭﻗﻴﺪﻭﺍ ، ﺇﻻ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻮﺍﺭﻳﺮﻱ ﻭﺳﺠَّﺎﺩﺓ ﺃﺟﺎﺑﺎ ﺑﻌﺪُ ، ﻏﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻬﻤﺎ ،
ﻭﺃﻣﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﻮﺡ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻴﺒﺎ ﺃﺑﺪﺍً ، ﻭﺣﻤﻼ ﻣﻘﻴﺪﻳﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ.
ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻻ ﻳﺮﻳﻪ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ، ﻓﻠﻤﺎ ﺑﻠﻐﺎ (ﺍﻟﺮَّﻗﺔ) ﺗﻠﻘﺎﻫﻢ ﻧﺒﺄ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻓﺮُﺩّﺍ ﺇﻟﻰ ﺑﻐﺪﺍﺩ ،
ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺗﻮﻓﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﻮﺡ ، ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﺻﻠّﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﺩﻓﻨﻪ)
ﻭﺍﺳﺘﻔﺤﻠﺖ ﻣﺤﻨﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻟﻰ ﺍﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ﺳﻨﺔ 218 ﻫـ ،
ﻓﻜﺎﻥ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺭﺿﻲ ﻋﻨﻪ ﻳﻀﺮﺏ ﺿﺮﺑﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ﺣﺘﻰ ﺗﺨﻠﻌﺖ ﻳﺪﺍﻩ.
ﻭﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪ ﺟﻠّﺎﺩﻳﻪ : ﻟﻘﺪ ﺿﺮﺑﺖُ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﺳﻮﻃﺎً ، ﻟﻮ ﺿُﺮِﺑَﺖ ﻓﻴﻼً ﻟﻬﺪَّﺗﻪ ،
ﻭﻫﻮ ﺻﺎﺑﺮ ﻳﻨﺎﻇﺮ ﻭﻳﺤﺘﻤﻞ ﺻﻨﻮﻑ ﺍﻷﺫﻯ ﻣﺪﺓ ( ٢٨ ) ﺷﻬﺮﺍً ، ﻭﻗﻴﻞ ( ٣٠ ) ﺷﻬﺮﺍً ،
ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﻜﺘﻬﻢ ﺑﻘﻮﺓ ﺣﺠﺘﻪ ، ﻭﺷﺪﺓ ﻳﻘﻴﻨﻪ ﻭﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ، ﻭﺛﺒﺎﺕ ﻗﻠﺒﻪ.
وﻓﻲ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺳﻨﺔ 221 ﻫـ ، ﺃﻃﻠﻖ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻗﺪ ﻣﻜﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﺠﻦ ﺳﻨﺘﻴﻦ ﻭﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺷﻬﺮ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺷﻔﺎﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﺍﻟﻀﺮﺏ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺑﺎﺷﺮ ﺍﻟﺘﺪﺭﻳﺲ ﻭﺍﻟﻔﺘﻮﻯ ﻭﺣﻀﻮﺭ الجمعة ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ، ﺣﺘﻰ ﻣﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﺘﺼﻢ ﺳﻨﺔ 227 ﻫـ.
ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺔ 231 ﻫـ ﻣﻨﻌﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﻮﺍﺛﻖ ﺃﻥ ﻳﺠﺘﻤﻊ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺣﺪ ، ﻭﻳﻠﺰﻡ ﺑﻴﺘﻪ ، ﻭﻻ ﻳﺨﺮﺝ ﺇﻟﻰ ﺟﻤﻌﺔ ﺃﻭ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ :
( ﺇﻧﻲ ﻷﺭﻯ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺴﺮ ﻭﺍﻟﻴﺴﺮ ، ﻭﺍﻟﻤﻨﺸﻂ ﻭﺍﻟﻤﻜﺮﻩ ﻭﺍﻷﺛﺮﺓ ،
ﻭﺇﻧﻲ ﻵﺳﻒ ﻋﻦ ﺗﺨﻠﻔﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻼﺓ ، ﻭﻋﻦ ﺣﻀﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﻌﺔ ، ﻭﺩﻋﻮﺓ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ) ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ.
ﻭﻓﻲ ﺳﻨﺔ 233 ﻫـ ﻭﻟﻲ ﺍﻟﺨﻼﻓﺔ ( ﺍﻟﻤﺘﻮﻛﻞ ) ﻓﻜﺸﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻪ ﺍﻟﻐﻤّﺔ ، ﻭﺃﻇﻬﺮ ﺍﻟﺴﻨﺔ ،
ﻭﻣﺤﺎ ﺍﻟﺒﺪﻋﺔ ، ﻭﺃﺧﻤﺪ ﺍﻟﻔﺘﻨﺔ ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﻋﻈّﻤﻪ.
ﺣﺘﻰ ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻮﻟﻲ ﺃﺣﺪﺍً ﻭﻻﻳﺔ ﺇﻻ ﺑﻤﺸﻮﺭﺗﻪ.
ﻗﺎﻝ ﺑﺸﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﺎﺭﺙ : ﺇﻥ ﺃﺣﻤﺪ ﺃُﺩﺧﻞ ﺍﻟﻜﻴﺮ ، ﻓﺨﺮﺝ ﺫﻫﺒﺎً ﺃﺣﻤﺮ.
إقرأ أيضا: النخلة الذي رفض صاحبها باستبدالها بنخلة في الجنة
ﻭﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻲ : ﺃﻋﺰّ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺼﺪّﻳﻖ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺮِّﺩّﺓ ، ﻭﺑﺄﺣﻤﺪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ.
وﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻴﻤﻮﻧﻲ : ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻲ : ﻳﺎ ﻣﻴﻤﻮﻧﻲ ، ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ؛ ﻣﺎ ﻗﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻓﻌﺠﺒﺖُ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﻋﺠﺒﺎً ﺷﺪﻳﺪﺍً ،
ﻭﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﻘﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺳﻠّﺎﻡ ، ﻓﺤﻜﻴﺖ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﻲ ،
ﻓﻘﺎﻝ : ﺻﺪﻕ ، ﺇﻥَّ ﺃﺑﺎ ﺑﻜﺮ ﻭﺟﺪ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺮﺩﺓ ﺃﻧﺼﺎﺭﺍً ﻭﺃﻋﻮﺍﻧﺎً ،
ﻭﺇﻥَّ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻪ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﻭﻻ ﺃﻋﻮﺍﻥ فلست ﺃﻋﻠﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻣﺜﻠﻪ.
وروى البيهقي عن الربيع ؛ قال : بعثني الشافعيُّ بكتابٍ من مصر إلى أحمد بن حنبل ، فأتيتهُ ،
وقد انفتل من صلاة الفجر ، فدفعتُ إليه الكتاب ، فقال : أقرأته؟ فقلتُ : لا.
فأخذه ، فقرأه ، فدمعت عيناه ، فقلت يا أبا عبد الله ، وما فيه؟
قال : يَذكر أنَّه رأى رسول الله صل الله عليه وسلم في المنام ، فقال :
اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل ، واقرأ عليه مني السَّلام ، وقل له : إنَّك ستُمْتَحن وتُدْعى إلى القول بخَلْق القرآن ،
فلا تُجبهم ، يرفع الله لك عَلَماً إلى يوم القيامة.
ابن كثير ؛ البداية والنهاية.