مقالات منوعة

أعيذك أن لا تحيي ذكره

أعيذك أن لا تحيي ذكره!

روى اليافعي في مرآة الجنان ، أنه لما مات الوليد بن عبد الملك ، وتولى الخلافة أخوه سليمان ، عزل يزيد بن أبي مسلم ، واستحضره بين يديه ،

فرآه دميم الوجه ، كبير البطن ، فقالَ له: لعنَ اللهُ من أشرككَ في أمره!

فقالَ له يزيد : يا أمير المؤمنين لا تَقُلْ هذا ، فإنكَ رأيتني والأمور مدبرة عني ،

ولو رأيتني وهي مُقبلة عليَّ ، لاستعظمت ما استصغرتَ ، ولاستجللتَ ما احتقرتَ!

فقالَ له سُليمان : قاتلكَ الله ، ما أشد عقلكَ ، وما أعذب لسانكَ!

ثم قال له : يا يزيد ، أترى صاحبكَ الحجاج يهوي بعد في النار ، أم إستقرَّ في قعرها!

فقال له : لا تَقُلْ هذا يا أمير المؤمنين ، إنَّ الحجاج عادى عدوّكم ، ووالى وليكم ، وبذلَ مُهجته لكم ،

فهو يوم القيامة عن يمين أبيك ، ويسارِ أخيك ، فاجعله حيث أحببت!

فقال له : قاتلكَ الله ، ما أوفاكَ لصاحبكَ!

ثم إن سليمان كشف عنه ، فلم يجد له خيانة في درهم ولا في دينار ، فأرادَ أن يستعمله مُجدداً!

فقالَ له عُمر بن عبد العزيز : أُعيذُكَ بالله أن تستخدمه فتُحيي ذِكر الحجاج ، فقد كانَ من خواصِ رجاله!

فقال له سُليمان : ولكنه لم يَخُنْ في درهم ولا في دينار!

فقالَ له عُمر : وكذلكَ إبليس لم يخُنْ في درهمٍ ولا في دينار ، ولكنَّه أهلكَ الناس!

إقرأ أيضا: ما هي أعظم ١٢ دقيقة؟

على عِظَمِ جُرمِ الإختلاس من المال العام لمن يتولَّى أمر الناس فهو برأيي أخف الجرائم التي ترتكب!

لأن القضية باختصار : رجلٌ لصٌ أرادَ الثراءَ لنفسِهِ على حسابِ الناس ، فلا هدمَ لهم دِيناً ، ولا سلب لهم عقيدة ،

ولا أفسدَ عليهم فطرة ، وأقل الضرر ما كان في خسارةِ المال!

أمَّا الآفة الكبرى ، وأم المصائب ، ومقتل الأُمم فهو في سلبها روحها وهويتها ، في قلبِ الحقِ باطلاً لها ،

وفي تزيين المنكر في أعيُنِها ، فيخرج لنا جيلٌ من بعد لا يستقيم إلا بشقِّ الأنفس ، ولا يعود إلى جادة الصوابِ إلا بألم كنزع الروح!

ثمة جرائم أفدح من السرقة ، إنَّها إعمال معول الهدم في العقيدة ، وزعزعة الثوابت ، وبث الشبهات ،

1 3 4 10 1 3 4 10

ومُهاجمة الصالحين على طريقة فرعون إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد!

كُلُّ البلاد التي قامت فيها ثورات كان بعدها بناء الأوطان ، لم يتم فيها تنحية الظالم ، وإنما أعوانه أيضا ،

أولئك السحرة الذين طالما بهروا أعيُنَ الناس له ، تلك الطُبول التي كانتْ تُسبِّحُ بحمده ، وتتسابقُ في إذلالِ الناسِ إرضاء له!

إبليس ليس له ثروة نهبها من المال العام ، ولا يأخذ الرشى ، ولكنه يُفسدُ في الأرض ، يُفسدُ فقط!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?