أقسم أن لا يغير ملابسه ولا يضحك ولا يأكل أي طيب من الطعام ولا يداعب أولاده ولا يشم زهرة حتى ترفع راية المسلمين مرة أخرى!
في عام 572 هـ قام الملك المسلم الهندي شهاب الدين الغوري بفتح مدينة مولتان ثم لاهور ،
وكانت مولتان يحكمها القرامطة وفتح الكثير من البلاد الأخرى الكثيرة جدا ،
ونشر الإسلام فيها ثم سار إلى قلعة بتهنده وكانت تحت يد ملك أجمير واستولى عليها.
وإزاء الخطر الذي بدا من شهاب الدين وانتصاراته في الهند تجمع على أثرها بعض الملوك الهندوس وعلى رأسهم راجابتهورا ،
وحشدوا جيوشهم لمقابلته صفا واحدا ، والتقى الجمعان سنة 587 هـ 1191م على نهر “سرستي” على بعد ثمانية أميال من دلهي.
في موضع مشهور الآن باسم “تراورى” وكان القتال حارا دارت فيه الدائرة على المسلمين ،
فانهزموا أمام الكثرة الهندوسية وسقط شهاب الدين جريحا حتى ظن أنه قتل ،
وحمله بعض رجاله من ميدان المعركة حتى بلغوا مأمنه.
وكان أول ما فعله بعد ذلك أن أخذ أمراء الغورية الذين انهزموا في المعركة بسبب جبن البعض منهم ،
وتخاذل البعض وخيانة البعض.
فقام بملء مخالي خيلهم شعيرا وحلف لئن لم يأكلوه مثل ما أكلت الخيل ليضربن أعناقهم فأكلوه رعبا من القتل.
وقد كان لانهزام شهاب الدين أثر شديد على نفسه ،
حتى أنه أقسم ألا يقرب النساء ولا يغير ملابسه ولا يضحك ولا يأكل أي طيب من الطعام ،
ولا يداعب أولاده ولا يشم زهرة حتى ترفع راية المسلمين مرة أخرى بعد هذه الهزيمة المهينة وحتى يغسل ما لحق به من عار.
إقرأ أيضا: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثٍ يَلْتَقِيانِ
وفي سنة 588 هـ – 1192م كون جيشا عظيما وسار به إلى الهند ،
وقام برسم خطة يجر بها جيش الهندوس لنفس الموقع الذي إنهزم فيه من قبل على نهر “سرستي” ،
لينتقم للمسلمين من الإهانة التي لحقت بهم وأقسم ليرفعن راية لا إله إلا الله في نفس المكان ، الذي سقطت به من قبل.
وبعد أن صفف الصفوف نادى في الجند قائلا :
يا جند الله : في هذا المكان وقعت راية المسلمين التي مكتوب عليها لا إله إلا الله على أرض هذا المكان ،
وأنا أقدم حياتي اليوم فداء لتلك الراية وما كتب عليها حتى ألقى ربي ويسألني فيم قتلت :
أقول له قتلت يا رب في كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فمن أراد أن يتبعني ويموت شهيدا أو ينتصر ويحيا عزيزا تحت ظل هذه الراية فليتبعني على هذا الميدان ،
ولنرين الله منا ما يفرحه ولنرين العدو منا ما يحزنه والله ينصر الصادقين منا ،
ومن أبى وجبن فليرجع لا لوم عليه ولا عقوبة.
ثم نصح جنده وذكرهم بالله ورسوله والصحابة والجنة وما بها وأجر الشهيد ومكانته عند الله.
فتأثر الجند وزادت حماستهم واتبعه الجيش كله لم يتخلف منه واحدا ،
ثم تحرك شهاب الدين متقدما في مواجهة العدو وكان أول من ضرب بسيفه في صفوف عدوه ،
مما أثار حمية وحماسة جنوده وأنزل الرعب في جيش الهندوس.
حيث أن ملكهم لا يتقدم الجنود بل يكون في المؤخرة بعيدا عن القتل ،
ومع ذلك فقد انقض جيش المسلمين عليه وأعمل في جيشه القتل حتى إنهزم الهندوس وتمكن المسلمون من أسر ملكهم وصعد شهاب الدين إلى الحصن ،
وأخذ ما فيه من أموال واستولى على البلاد ثم ضرب عنق الملك في نفس المكان الذي وقعت فيه راية المسلمين في المرة السابقة ،
ثم زرع الراية بجوار جثة ملكهم ليشهدها جيشه وجيش المسلمين.
ثم جعل إبن الملك المقتول حاكما على بلاده على أن يدفع الجزية ورجع إلى “غزنة” ،
بعد أن أقام مملوكه قطب الدين أيبك نائبا عنه في البلاد التي خضعت له.
مصادر :
حاضر العالم الإسلامي – شكيب أرسلان .
تاريخ الإسلام في الهند – عبد المنعم النمر .
الكامل في التاريخ لابن الأثير.