أميرة الورد وأميرها الجزء الأول
يحكى أنه كانت هناك بلاد مترامية الأطراف يحكمها ملك وملكة ، وكان لهما ثلاثة أولاد ، الأكبر والأوسط كانا متزوجان بأميرتين ،
أما الأصغر ويدعى سامر فلا يزال أعزباً لم يتزوج بعد.
وقد حاول الملك إغرائه بالزواج من إبنة عمته ، بينما حثته الملكة على الزواج من إبنة خالته ،
لكن سامراً لم يبدي اهتماماً بالزواج بأي منهما.
وفي صباح أحد الأيام ، وبينما كان سامر جالساً على مائدة الفطور مع والديه ، إذ تطرق الملك لموضوع الزواج مرةً أخرى ،
ولام سامر على رفضه لعروض الزواج.
فشعر سامر بالإنزعاج إلى درجة أنه جرح اصبعه بالسكين عندما كان يحاول قطع الخبز ،
فسقطت منه قطرة دمٍ على القشدة البيضاء فتحولت إلى لونٍ ورديٍ جذاب.
إستغرق سامر بالنظر إلى ذلك اللون الأخاذ ، ثم نهض وقال :
أبي ، أمي ، أود أن أبلغكما بأنني قد قررت الزواج ، لكن الفتاة التي سأتزوجها يجب أن تكون شفاهها بهذا اللون ،
وأشار إلى لون القشدة الممزوج بقطرة الدم.
وبعد أن قال ذلك ، خرج الأمير الشاب من القصر بحثاً عن حبيبته الخيالية ،
جال الأمير على فرسه في ربوع المملكة على أمل أن يحظى برؤية فتاةٍ تشبه الصورة التي رآها في مخيلته.
بحث سامر وبحث حتى طال بحثه إلى عدة أيام ، ثم تحولت الأيام إلى أسابيع ،
وتحولت الأسابيع إلى شهور دون أدنى فرصةٍ للعثور على ضالته المنشودة.
وقد طلب منه الملك يوما أن يكف عن بحثه المستميت هذا عن تلك الفتاة التي لا تعيش إلا في عقله ،
وقد شبّه الملك بحثه هذا كمن يبحث عن العنقاء التي هي طائرٌ خرافي لا توجد إلا في الأساطير.
ثم قال له الملك : أما آن لك يا ولدي أن تتخلى عن عنقائك وتعود إلى أرض الواقع وتترك بحثك الذي لا جدوى منه ،
فلقد أضرّ بك البحث حتى اُصبتَ بالهزال ، وإني والله لأخشى عليك من الهلاك.
إقرأ أيضا: الفتاة والمارد الجزء الأول
رد سامر : أنا لم أبحث سوى داخل المملكة يا أبي ، ربما تكون معشوقتي في مكانٍ ما خارج مملكتنا ،
هنالك شيء ما في داخلي يدفعني لمتابعة البحث ، لأنني على يقين بأني سأجدها يوماً ما ،
ولأنها تستحق جهود البحث والإنتظار ، وسترى ذلك يا أبي.
وبتلك الكلمات ، ودع سامر أبويه وانطلق إلى خارج المملكة في رحلته الطويلة للبحث عن معشوقته الأثيرة ،
وبعد عام كامل قضاها في الأسفار من بلد إلى بلد ، ومن مملكةٍ إلى أخرى.
وصل سامر أخيراً إلى فلاةٍ من الأرض ، وكان المساء قد حل ، فشاهد من بعيد ناراً فاتجه إليها ،
فوصل إلى خيمةٍ تجلس بجوارها إمرأةٌ عجوز ، حالما شاهدت سامراً حتى نهضت واستقبلته ودعته للجلوس قرب النار ،
ففعل الأمير شاكراً لها صنيعها.
وبعد أن قضى الإثنان بعض الوقت في الحديث والتعارف ، اكتشف سامر بأنها عجوزٌ طيبة ، ففكر بأنها يمكن أن تساعده ،
فأفصح لها عن قصة بحثه الطويل والمضني عن فتاة أحلامه.
أطرقت العجوز أرضاً ثم قالت : مثل هذه الأمور لا تنتهي دائماً على خير ،
أقترح يا بني أن تعود إلى والديك ، وأن تقبل بالزواج من إحدى الأميرات الجميلات.
هنا نهض سامر وقال : آسف يا جدتي ، إعتقدتُ أنه بإمكانكِ مساعدتي ، لكنني كنتُ مخطئا ،
فأنتي لا تختلفين عمن سبقكِ ، الوداع أيتها الجدة.
ثم استدار سامر واتجه إلى فرسه ، لكن العجوز استوقفته قائلة : تمهل قليلاً يا بني ،
يبدو أنك مصممٌ تماماً على إنجاز مهمتك ولا شيء سيوقفك ، حسنا سأساعدك.
ثم دخلت العجوز خيمتها وعادت وقد أحضرت معها وردةً حمراء وناولتها إلى سامر.
أخذ الفتى الوردة منها وقال مستغربا : وماذا سأفعل بها؟
ردت العجوز : أنظر إليها ، فأنت لم تنظر إليها.
إقرأ أيضا: أحبني طفل الجزء الأول
وعندما أمعن سامر النظر إلى الوردة حتى ذهل وصاح : إنه اللون الذي رأيته ، لون شفاه حبيبتي.
كانت هناك عدة بتلات وردية اللون تزين الوردة الحمراء من الداخل ،
إلتفت سامر بعد ذلك إلى العجوز وقال وقد دمعت عيناه : أخبريني أيتها الجدة ، ماذا يعني ذلك بربكِ؟
قالت العجوز : إسمعني جيداً يا بني ، الفتاة التي تعشقها موجودة فعلا ، لكنها لا تنتمي إلى هذا العالم ، بل إلى عالم الورود.
قال سامر بتعجب : الورود تقولين!؟
أجابت العجوز : نعم فهي ليست بشرية ، وإنما روح من عالم الورود وتلقّب بأميرة الورد.
قال سامر : هل تريدين إخباري بأني قد اُغرمتُ بوردةٍ ليس إلا؟
ردت العجوز : هذه هي الحقيقة ببساطة يا ولدي.
هنا جلس سامر على الأرض وجعل يذرف الدمع بسكون ، فتمتمت العجوز وكأنها مترددة فيما تريد قوله ، فالتفت إليها الفتى وقال :
أستحلفكِ بالله أيتها الجدة ، إن كان هنالك شيئاً آخر تخفينه عني إلا ما أطلعتيني عليه.
تنهدت العجوز ثم قالت : الكل يعلم يا سامر إن عالم الورود عالمٌ جميل جدا ، ويكمن جماله في صفائه ونقاوته.
وفتيات ذلك العالم هنّ في القمة من الصفاء والطهارة والجمال ، مبرئاتٌ من كل نقصٍ وعيب.
فهل فكرتَ ماذا سيحدث لفتاةٍ منهن لو حدث وإن جائت للعيش في عالمنا؟
عالم القوة والقهر والإستغلال ، عالمٌ هو على النقيض تماماً من عالم الورود الجميل الشفاف؟
أخشى يا ولدي أن تلك الوردة المتفتحة ستذبل وتموت في مثل هكذا عالم.
قال سامر : هل أستطيع أنا أن أنتقل إلى عالمها؟
قالت : كلا لا تستطيع ، لأن الورود عالمٌ لطيف ، أما عالمنا فكثيف ،
والأشياء تميل للإنتقال من اللطيف إلى الكثيف وليس العكس.
يجب أن يكون قلبك شفافاً جداً لتنتقل إلى عالمها وهو أمرٌ مستحيل.
إقرأ أيضا: أميرة الورد وأميرها الجزء الثاني
أطرق سامر قليلاً ثم قال : إذن أعدكِ أنني ساُحيطها هنا بسياجٍ من الحنان وسأرويها بمحبتي ،
وسأعتني بها وأرعاها كما اُراعي مقلة عيني.
قالت هي : أعرف أنك صادقٌ فيما تقول يا سامر ، وأنك ستبذل كل ما بوسعك لحمايتها ،
لكن هل تستطيع أن تفعل ذلك كل الوقت؟ هل بمقدورك أن تتصدى للعالم ، كل العالم من أجلها؟ هذا هو السؤال.
وبعد أن أخبرت العجوز الفتى بالطريقة التي من الممكن أن يرى فيها معشوقته ويستدعيها إلى هذا العالم ،
انطلق مسرعاً يحمله الشوق حتى بلغ روضةً غنّاء ، تحفّ بها الورود والأطيار.
ثم سار حتى وصل إلى كهفٍ تنبعث منه أزكى العطور ، فدخله فشاهد العديد من الورود الحمراء قد زينت مدخل الكهف وجوانبه ،
وفي منتصف الكهف تقبع وردةٌ حمراء هي أكبرهن حجما.
قام سامر أولاً بقطف وردةٍ بيضاء عملاً بقول العجوز ، ثم عمد إلى اصبعه فجرحه بالخنجر وأسال بضع قطراتٍ من الدماء على الوردة ،
حتى تلوّنت باللون الوردي.
ثم عاد إلى الوردة الحمراء الكبيرة فوضع الوردة البيضاء إلى جنبها ثم أغمض عينيه ،
وناجى أميرة الورد بقلبه أن تحضر إلى عالم الأرض.
بعد ذلك جلس على الأرض ينتظر ، فمضت عدة ساعاتٍ من الانتظار لم يحدث فيها شيء يذكر ،
لكن الذي حصل هو أن شعاع القمر قد تسلل من بعض الشقوق في سقف الكهف فوقع على الوردة الحمراء فازدادت تلألؤاً وجمالا.
فتقدم سامر ولمس تويجاتها وهو يبكي ويفكر في أميرة الورد حتى روى الوردة من دموعه ، فارتعشت الوردة فجأة ،
فتركها سامر وجعل ينظر إليها بدهشة فشاهدها وهي تنمو أكثر وأكثر إلى أن توقفت عن النمو عند حدٍ معين.
ثم وبعد ذلك أخذت الوردة تتفتح شيئاً فشيئاً حتى بان في وسطها جسد فتاةٍ شابة ترقد مستلقيةً في داخلها.
يتبع ..