الحب في الحياة

أنا أيضا لم يعجبني العريس

أنا أيضا لم يعجبني العريس ، كان يبدو عليه الغرور وحب التجبر.

رفضني أليس كذلك؟! لست بحاجة لتجميل كلماتك ، لقد اعتدت الرفض ليست المرة الأولى التي أُرفض فيها من طرف عريس يأتي مع والدته يتفحصني كما لو أني سلعة للبيع.

يسأل عن مهاراتي في الطبخ والتنظيف كأنه سيأخذ خادمة في ثوب زوجة ، فأرمق الورقة التي جهزتها بحسرة ،

ينتظرون مني الجواب على سؤالهم الذي رغم حفظي لإجابته لكني أعجز في كل مرة عن صياغتها بشكل صحيح كأي إنسان طبيعي ،

أنظر لوالدي الذي يترك لي زمام الأمور كل مرة فأستدعي حروفي المصفوفة بعناية ،

لكن ما إن تخرج من بين شفتي حتى تخذلني وتتبعثر ، ابتسامة سمجة ثم اعتذار بحجة تأخر الوقت ،

في المساء اتصال حفظت ما سيقال فيه ثم الرفض بطريقة لطيفة موجعة ،

ألا يمكن تأجيل ذلك ليومين على الأقل حتى أقتنع أن رفضهم لم يكن بسبب إعاقتي كما يسمونها؟!

المحزن في كل ما يحدث أنه وفي كل مرة يداهمني ذات الألم الشنيع مع أني أتجهز للرفض لكن وقع الكلمة يكون أشد ،

لكن هذه المرة قررت التوقف لم يعد في قلبي متسع لخيبات أخرى ،

تلك الجلسة أصبحت كالكابوس بت أشعر أني سلعة رخيصة الثمن لن يقبل أي أحد شرائها بسبب عيوب صنعها ،

لست بحاجة لرجل ، فكرة وضعتها نصب عيني.

لن أخوض تلك التجربة مرة أخرى لأجد أبي ككل مرة يساندني في قراري ،

بحثت لنفسي عن ما يبني أنثى أخرى غير التي أتقمصها الآن ،

في تلك الليلة عدت وفتحت محراب أوراقي بعد هجران دام ثلاث سنوات ،

الشيء الذي أستطيع بث حروفي من خلاله دون تلعثم لتخرج الكلمات بسلاسة تعجز شفاهي عن فعلها ،

منذ صغري عانيت من سخرية المقربين مني بسبب تلعثم كلماتي خاصة عندما أرتبك أو أغضب يصبح من الصعب خروج الحروف.

إقرأ أيضا: بائعة الكعك

“حسنا لن ننتظر اليوم بطوله لتصلي لآخر الجملة” أصدقائي ، أساتذة المدرسة ، صاحب محل الملابس ،

سائق الحافلة ، حتى من هم من نفس دمي ، الجميع يتفنن في جرحي بأقسى الكلمات كأنهم ينتقونها بعناية ولو بدت عفوية ،

تلك الخطوة لم تكن بالسهلة فالثقة في ما تخطه أناملي كان يحتاج لجهد أكبر من كتابته.

1 3 4 10 1 3 4 10

كم ارتعش كياني وأنا أنسج النهاية السعيدة في حين لم أنل شرف تجربة شعورها ،

بلغت فرحتي عنان السماء عندما طالعت آخر طلة لمولودي بلونه الأبيض المنافي لدواخلي المتشبعة بظلام الوحدة ،

تفاجئت بوالدي قد فتح حسابا على مواقع التواصل الإجتماعي باسمي وينشر به كل ما أرصه من حروف على أوراقي ،

لرفضي التام لتلك الفكرة من قبل ، ربما لأني خشيت الإنغماس في ذلك العالم بعدما اعتكفت الوحدة والجدران ،

قشعريرة لذيذة سربلت روحي فيما أقرأ تعليقات الناس على كلماتي وكان لذلك التعليق المميز الأثر الأكبر

“جميل أن يجد الاإسان سبيلا للإفراج عما يعتريه دون الحاجة للترتيب”

كأنه يعلم ما أقاسيه لكني سرعان ما نفضت ذلك عن عقلي ورحت أتجهز لحفل التوقيع الذي نظمه والدي بعد المعرض ،

وقفت خلف طاولة الكتب وبكلمات انتقيتها بعناية كنت أهدي لكل قارئ من القلب امتنانا على اختياره لأقصوصتي وأختمه باسمه أو ما يختاره ،

إلى أن وصل الدور لذلك الصامت رفعت رأسي أنتظر ما سيقوله لكن بقي على حاله يطالعني ،

حينها وجدت نفسي أدون على أول صفحة في الكتاب “أتمنى أن تجد بين حرم كلماتي ما يستحق اعتكافك الصمت”

لاحت شبه ابتسامة على ثغره أشعرتني بقليل من الفرحة لأول مرة يرمقني أحدهم بابتسامة لا تمت للشفقة بصلة ،

سلام داخلي سرى بين دهاليز روحي المعتمة لأني حققت إنجازا بسيطا كهذا.

إقرأ أيضا: تقول لازلت أذكر السنة الماضية حين هددت إخوتي

لم تكن المبيعات بالرقم الذي يبهر أي أحد ، لكن كوني استطعت إيصال كلماتي مترابطة غير مبعثرة ولو لشخص واحد ،

يمنحني السكينة وما أجمل نظرة الفخر التي زينت عيني والدي كأنه من نجح لا أنا ،

مرت الأيام واختفى شعور العجز المقيت اعتزلت كل ما يؤذيني طواعية وغضضت الطرف عن كل تعليق ساخر يتشح في رداء التعاطف والنصيحة ،

كلما شعرت بالحاجة لبث ما بداخلي كان قلمي هو الملجأ وتلك التعليقات التي أدمنتها ،

فبت أبحث عن اسمه بين الآراء بلهفة متجاهلة أي شعور بالغرابة أو الخوف من تعلقي ببضعة حروف لشخصية وهمية لم أراها يوما ،

جميل أن يجد الإنسان ما يبقيه على قيد الأمل ليكمل الطريق بحثا عن النور في آخر النفق.

استيقظت في إحدى الصباحات المفعمة بالحياة على خبر قدوم أحدهم لزيارتنا ،

قال أبي أنه بعث له برسالة نصية يستأذن الحضور بعد صلاة المغرب لتكتسحني ذات البرودة مرة أخرى ،

لازلت لم أتعافى بعد من آثار ما مضى فكيف لي الجلوس على تلك الأريكة ليتم تفحصي مرة أخرى.

حاولت الرفض لكن والدي وعلى غير العادة أصر على ذلك لأن الشخص المنشود أرسل أكثر من خمس رسائل نصية ،

يطلب فرصة للتعريف عن نفسه ولنا حرية الرفض بعدها لكنه يستحق المحاولة.

رضخت على مضض واخترت ما وقعت عليه عيناي من ملابس ولففت خماري برتابة مملة فقط كي أخفي خصلاتي وليس تجملا ،

طالعت تلك الورقة التي اهترئت من فرط ضغطي عليها في كل لقاء وضعتها بين ثنايا ثوبي الأخضر ،

وخرجت حاملة صينية العصير ، ومن ثم صدمت عندما رأيت هوية الزائر ،

ياللسخرية القدر آخر ما أرغب به هو الظهور بهيئة مزرية أما أحد قرّائي ،

ألقيت السلام لكنه لم يرد فازددت غيظا فهذه المرة الثانية التي أنتظر حديثه فيقابلني بالصمت.

إقرأ أيضا: عند عودته للمنزل حدث بينه وبين زوجته خلاف

جلست أضغط على ثوبي ثم رفعت بصري نحوه خلسه لأجده يبتسم بهدوء ،

ثم أخرج من جيبه ورقة مطوية بعناية ووضعها أمامي ، تناولتها باستغراب وفتحتها بفضول ، خطه جميل هذا أول ما تبادر لذهني.

” أقرأ في عينيك غضبا لأني ألتزم الصمت للمرة الثانية أمامك ،

ولو أن ذلك يجعلك كطفلة مشاكسة يبهرني النظر إليها لكني لا أضمن هدوئك المريب ذاك ،

هذه المرة الأولى لي في الجلوس أمام إحداهن طلبا للوصال فلم يواتيني الجرأة لأفعل ذلك ،

ربما لأنها ستنتظر ما سأقوله مثلك تماما ، لكن حروفك التي باتت جزءا من يومي شحذت همتي ،

فقلت لما لا أحاول لربما تكونين أنت الملاذ من عالم يطوقني بالشفقة والسخرية.

فقط لأني أعجز عن سماع حروفهم والرد بأني أتألم لأني بشر ، إياك والشعور مثلهم فذاك ما جذبني نحوك ،

الإيمان بأن لكل منا نقص ويا لحظ من كان ظاهريا هذا يعني أنه مكتمل من الداخل لا يحمل أي سواد”

أنهيت قراءة كلماته التي جعلت الإبتسامة تفترش محياي لأول مرة ،

لأن هناك من أتى لأجلي أنا وليس للزواج فقط بل لأكون له ملاذا ويكون لي كذلك ،

لم أعد بحاجة لربط حروفي بل كل ما علي فعله هو احتضان قلمي والهمس له بما يعتريني دون أن تردد أو وجل ،

وما زاد سعادتي هو أنه صاحب تلك التعليقات التي أدمنتها عندما أتاني إشعار تلك الليلة بمنشور خصني به ،

“ظننتها مجرد حلم لكني اكتشفت أن الأحلام خلقت لنحققها” فوجدتني أعلق بتلك الكلمات ،

“كنت النور في نهاية النفق المظلم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?