أنت لي وحدي الجزء الأول
كان يزن ومها أصدقاء في الجامعة مع مجموعة من الشباب والفتيات ، يتحدثون كل يوم عن المحاضرات ،
فقد كانت نقاشاتهم لا تتعدّى نطاق الدراسة.
لم تكن تعلم مها أن يزن معجب بها ، ولم يكن يزن يعلم أنها معجبة به ، فقد خشي إن صارحها وعاشا قصة حب ،
أن تأخذ علاقته بها منحىً آخر بعيداً عن الخطوبة والزواج فيعاقبه الله بحرمانه منها إلى الأبد ،
كون أوضاعه لم تكن تسمح له بالزواج منها وهو طالب جامعي ،
فكتم إعجابه بها الذي تطوَّرَ إلى حب مع مرور الوقت ، وهو يدعو الله أن لا يخسرها وتصبح له يوماً ما بالحلال.
مضَت سنة تلو الأخرى ، وتخرَّجوا من الجامعة ، فكان عمله كمحاسب ينتظره بمعمل عمه.
لم ينسَ أنَّ عمه كانَ قد وعده أنّه سيخطب له الفتاة التي يريدها بعد تخرجه ، كونَه قد تكفَّل به بعد وفاة أبيه واعتبره إبنا ،
له لأنه كان عقيما.
ولأجل ذلك طلبت زوجته الطلاق ومن حبه بها لم يتزوج بعدها.
طلب يزن من عمه أن يذهب معه لخطبة زميلته مها ، فوافق على الفور.
بعد أن أخذت أمه موعداً من أهلها ، ذهب مع عمه وأمه للاتفاق مع والدها على أمور المهر وتكاليف الزواج ،
لكنَّ عمَّه “المتصابي” ما إن رآها حتى رفرف قلبه حباً لمها ، كونها تشبه طليقته بشبابها حدَّ التطابق ،
فحاولَ بلحظتها عرقلةَ أمور الزواج قائلاً :
وضعكم المادي أقل من المتوسط وهو يساوي وضع ابن أخي ،
حيث أني أنا الذي صرفتُ على دراسته منذ أن كان بالإبتدائي ، هذا يعني أنكم لا يجب أن تطلبوا شيئاً يفوق قدرته المادية.
قاطَعَته أم يزن محتدة : حتى لو كان وضعنا الماديَّ أقل من المتوسط لكننا لم نأكل لقمة بالحرام ،
كوني عملتُ ليلاً ونهاراً لأربي إبني أحسن تربية.
صرخ عمه بوجهها وكأنَّ لا أحد بالمنزل سواهما : ماذا تقصدين ؟! أنني أنا قد أخذتُ أموالكما أنتِ وابنكِ؟!
إقرأ أيضا: الماضي يتجدد مع الأيام لا ينسى!
ألم تفهمي أنَّ لا حقَّ لزوجكِ وإبنكِ عندي ، فأبي قد كتب الميراث كله لي قبل وفاته.
أنت الذي أخذتَ بصمته وهو على فراش الموت ، وبعد أن عرف زوجي بذلك مات من القهر.
وقف أبو مها ثم قال : لو سمحتم اخرجوا من بيتي فلا بنات عندي للخطبة والزواج.
عاد يزن إلى المنزل وهو مغيَّب عن وعيه ، لم يكن ينصت لعمه الذي يقول له : كل الحق على أمك.
وأمه التي تقول له : عمك حاول استصغارك أمام أبو العروس.
دخل إلى غرفته ، وبكى من أعماق قلبه ، ثم خلد إلى النوم مُنهارَ القوى ،
وما إنْ دخل لعالم أحلامه حتى رأى مها تبكي بِحُرقة ، وبدأ يراوده كابوس تلو الآخر.
كانت مها بالواقع تبكي بحرقة ، بعد أن قال لها أبيها : نحمد الله أنهم كشفوا أنفسهم أمامنا ، فمن الواضح أنهم عائلة سيئة.
لكن ما ذنبه يا أبي ، إنْ كان عمه بلا ضمير؟!
فصرخ بوجهها قائلا : بما أنَّ عمه من لحمه ودمه قد أكل مال اليتيم ، فما حال عريس الغفلة؟
حتماً سيأخذ من صفات عمه عاجلاً أم آجلا ، وإياكِ ثم إياكِ أن تفتحي موضوعه أمامي مرة أخرى وإلا غيّرتُ رأيي بخصوص عملك ،
وزوجتكِ لأول رجل يطلب يدكِ حتى لو كان عامل نظافة بالخمسينَ من عمره.
استيقظ يزن في صباح اليوم التالي منهكا ، فأرسلَ لعمه رسالة كتب بها :
لن أستطيع القدوم إلى العمل اليوم ، فأنا متعب جدا.
استلقى على سريره وهو يفكر بكلام أمه ، بأنَّ عمه بالأمس كان كمن يحاول أن يلغي الزواج بأي طريقة ،
فقرر بتلك اللحظة أن يترك العمل عند عمه بعد أن يجد عملاً بديلاً ، بدون أن يدخل معه بنقاش لا جدوى منه ،
ثم يحاول الذهاب لمنزل أهل مها ، والحديث مع والدها مرة أخرى لعله يوافق أنْ يزوّجه إبنته.
بعد أن تناول الفطور مع أمه واستعدَّ للذهاب بحثاً عن عمل ، طرق عمه الباب ، فتحت أم يزن فقال لها :
لم آتي لأفتعل مشكلة ، أتيت للحديث مع يزن بموضوع خطوبته.
إقرأ أيضا: أنت لي وحدي الجزء الثاني
دخل لغرفته ثم قال له : لن أنكر أني حاولتُ أن ألغي ذلك الزواج قبل أن يبدأ ، لكن ذلك من خوفي عليكَ ،
فالتي تودُّ خطبتها تشبه طليقتي ، وهي حتماً ستطلب الطلاق منك ، كما فعلت طليقتي ،
لكني عندما رأيتكَ مُنهاراً بالأمس ، قررتُ أن أذهبَ مساء اليوم وحدي للحديثِ مع والدها وإقناعه.
انهمرت دموع السعادة من عينيه وعانق عمه قائلاً :
أدامكَ الله لي طول الحياة ، الآن قد استعدتُ نشاطي وأستطيع الذهاب معكَ إلى العمل.
لم يكن يزن يعي أنَّ عمه كان يحاول تنفيذ خطة سَهِرَ الليل كله لإعدادها.
يتبع ..