قصص منوعة

أولاد الحطاب الجزء الأول

أولاد الحطاب الجزء الأول

حطاب كان يعيش مع زوجته وإبنه سمير وأخته التوأم مها ولكل منهما تسع سنوات ، بالإضافة إلى أخيهما هاني سبع سنوات.

حيث عاشت تلك الأسرة حياة هادئة في كوخهم الصغير والذي يقع على مشارف قرية ريفية جميلة.

وفي تلك السنة اندلعت حرب أهلية في البلاد فتأثرت بذلك جميع القرى والمدن ،

ومن بينها قرية الحطاب وعانى أغلب السكان من الفقر والشدة والعوز.

وفي أحد الأيام كان أطفال الحطاب الثلاثة يلعبون الغميضة ، فكان أن اختبأ الأخ الأكبر سمير في غرفة نوم الوالدين تحت سريرهما ،

وبينما كان هو ينتظر أن يتم العثور عليه من قبل شقيقه وإذا بأبويه يدخلان الغرفة خلسة ويغلقان الباب خلفهما ،

ثم أخذ الإثنان يتهامسان وكأنهما يخشيان أن يسمعهما الصغار.

حيث قال الأب الوضع خطير جداً والمجاعة تهدد باجتياح البلاد ،

لا توجد ذرة قمح واحدة في الأسواق وحتى إن جثث ضحايا الجوع قد أخذت بالإزدياد.

قالت الأم بجزع : يا إلهي وما العمل الآن لدينا ثلاثة أفواهٍ صغيرة لنطعمها.

الأب : لا حل أمامنا سوى التخلص من التوأمان فهما أولادنا بالتبني وليس حقيقة على العكس من هاني والذي هو ولدنا ومن صلبنا.

بكت الأم فواساها الأب قائلا : لا تحزني سآخذهما غداً الى أحد التجار المغادرين إلى شرق البلاد وقد وعدني أن يعتني بهما.

وبعد انصراف الأبوين خرج سمير من تحت السرير وقد سمع كل كلمة دارت في الغرفة دون أن يشعرا به ،

فكان مصدوما بما سمع ، قلقا مما سيحدث.

عند فجر اليوم التالي قام الحطاب بإيقاظ التوأم وأخبرهما بأنه سيأخذهما معه ليشاهداه كيف يعمل في الغابة.

سرت مها بذلك وأرادت إيقاظ هاني لكن الأب منعها وأخبرها أن تتركه نائما.

عانقت الأم الصغيرين وبكت أمامهما قليلاً ثم ودعتهما.

إقرأ أيضا: قصة ساخرة للكاتب التركي عزيز نيسين

سار الأب برفقة التوأم نحو الغابة لكن الأمر الذي أخفاه الحطاب عن زوجته هو أنه ليس هناك تاجر ليتبنى الطفلين ،

وأنه إنما قال لها ذلك ليخفي عنها الحقيقة المروعة وهي أنه يعتزم ترك التوأم في مجاهل الغابة ومتاهاتها ليلاقيا مصيرهما المجهول.

1 3 4 10 1 3 4 10

فقد عاين الحطاب مرارة الحرمان والجوع وخشي على ولده هاني من نفس المصير ،

لذا قرر قراره على التخلص من التوأم وبأسرع وقت.

غير أن الشيء الذي غفل عنه الحطاب هو أن سمير قد اكتشف نواياه ،

لذا فقد عمد الفتى الصغير إلى جمع ما استطاع حمله من الحصى في جيوبه.

وبينما كان الحطاب يوغل بهما عميقا في الغابة كان سمير يبعثر الحصى متعمدا في الطريق ،

حتى بلغ الحطاب مكانا قصيا وهناك تعمد الحطاب أن يضللهما ثم يختفي بين الأحراش ليعود بعد ذلك سرا إلى بيته.

أخذ الصغيران يبحثان عن الحطاب دون أن يعثرا له على أثر ،

كان سمير يعتقد أنهما قد أضلّ الطريق وأن الحطاب لم يتعمد أن يفقدهما ، لأن سمير كان يظن أن الحطاب يريد بيعهما للتاجر حقا.

بعد فترة ومع اقتراب حلول الظلام وطول غياب الحطاب أخذت مها تبكي ،

فأخبرها سمير أنه يعلم طريق العودة للبيت لأنه وببساطة قد ترك الحصى في الأرض وعلى طول الطريق.

وعند بزوغ ضوء القمر فسينعكس الضوء من الحصى كاشفا لهما طريق العودة ،

فكان إن حدث ما قاله الفتى الذكي تماما
فعاد الصغيران سيرا على ذلك الطريق المرصود نحو بيتهما.

وأثناء الطريق سألت مها أخيها أنه كيف خطرت بباله تلك الفكرة ، هل كان على علمٍ مسبقا بأنهما سيتوهان في الغابة؟

آنذاك أخبرها سمير بخطة والديهما وأن سمير كان يعتزم الهرب معها من التاجر والعودة بها إلى البيت فيما لو تمت الصفقة.

إقرأ أيضا: المتاهة العجيبة الجزء الأول

وصل التوأم إلى البيت ليلا فاقترب سمير من الباب ليطرقه ،

فإذا به يسمع صوت الحطاب من خلف الباب وهو يقول لزوجته أن أمر البيع قد تم وأن التاجر قد رحل بهما.

وهنا تفاجئ الزوجان بالباب وهو يفتح ويدخل منه التوأم ،

عقدت الدهشة لسان الحطاب فتكلم سمير مخاطبا أمه لكنه كان ينظر إلى الحطاب بخيبة أمل ،

وهو يقول لقد هربنا من التاجر يا أماه فقد أراد قتلنا بلا ذنب.

حينذاك احتضنت الأم الصغيرين وأخذت تقبلهما.

وبعد مرور عدة أيام فتح الحطاب نفس الموضوع مع زوجته وأخبرها عن نيته التخلص من التوأم هذه المرة وللأبد.

عند فجر اليوم التالي أيقظ الحطاب التوأم وأخبرهما أنه سيصطحبهما مجدداً إلى الغابة ولن يدعهما يغيبان عن عينيه هذه المرة.

فقامت الأم بإعطاء كل واحد منهما كسرة خبز وودعتهما.

سار الثلاثة مرة أخرى إلى جوف الغابة وكان سمير قد عبأ جيوبه سابقا بالحصى تحسبا لمثل هذه الحالات ،

فكان يُعلم الدرب بالحصى وعلى طول الرحلة ،

لكن الرحلة قد طالت هذه المرة وذلك لأن الحطاب أراد أن يحسم المسألة تماما هذا اليوم وأن لا يدع مجالا لعودتهما مجددا.

فكان أن نفذ جميع ما لدى سمير من حصى فقام بالإرتجال بسرعة وأخرج حصته من الخبز ،

وسارع بتفتيتها واستخدامها عوضاً عن الحصى.

قام الحطاب باصطحابهما إلى مكان قريب من مزرعة تسمى بمزرعة الغرائب والتي تقع على حدود نهاية الغابة ،

وهي مزرعة منبوذة لا يجرؤ أحد على الدخول إليها كونها مرتبطة بواحدة من أكثر الأساطير رعبا في المنطقة ،

وهي أسطورة المرأة الغولة ملتهمة الأطفال الصغار.

وهناك جلس الجميع للراحة ثم قام الحطاب واستئذنهما للعمل ، وبعد أن قام بقطع إحدى الأشجار ،

طلب منهما الجلوس في مكانيهما ريثما يقوم بقطع المزيد من داخل الغابة.

إقرأ أيضا: المغفلة قصة قصيرة

وهكذا توغل الحطاب إلى الغابة وصار التوأم لا يسمع منه سوى صوت فأسه وهي تضرب الخشب.

وبعد فترة ليست بالقصيرة شك التوأم في أمر الحطاب وتسائلا عن سبب تأخره ،

فكان إن تتبعا صوت الضرب حتى وصلا إليه فكانت المفاجأة.

فلقد قام الحطاب بثني إحدى أغصان الأشجار مع غصن آخر بطريقة تجعلهما يصدران صوتا مشابهاً لصوت الفأس كلما هبت عليهما الريح ،

أما الحطاب نفسه فكان قد اختفى مجددا.

تأثر التوأم لذلك كثيراً وقررا العودة إلى البيت لوحدهما ،

وعندما أراد سمير الإستدلال على فتات الخبز لم ينجح بذلك فقد سبقته الطيور إليها والتهمتها.

أصيب التوأم بالذعر خصوصا مع اقتراب حلول الظلام وسماعهما لأصوات عواء ليست ببعيدة.

عانقت مها شقيقها وهي تبكي وتناشده أن يجد حلاً لمأزقهما هذا.

هنا أشار الفتى إلى مزرعة الغرائب وطلب من مها أن تتبعه لعلهما يجدان فيها أحداً يساعدهما.

سار الإثنان متوغلين داخل المزرعة الكئيبة والتي تحتوي على أكوام مبعثرة من حصاد القش وفي وسطها تقبع دمية لفزاعة مخيفة.

شاهد الإثنان من بعيد كوخا من الخشب والدخان يتصاعد من مدخنته ،

فالتفت سمير إلى مها وبشرها بالدفئ والطعام اللذيذ.

فتح التوأم باب الكوخ بحذرٍ شديد ونادوا على ساكنيه فلم يجبهم أحد ،

فوجدا نفسيهما يدخلان الكوخ يدفعهم البرد والجوع نحو قدر الطعام الذي كان ينضج على نار المدخنة.

تناول كل من الصغيرين لقمة واحدة فقط قبل أن يسمعا صوت شخص ما يوشك على دخول المكان ،

فسارع التوأم بالإختباء تحت السرير الوحيد في هذا الكوخ.

ومن تحت السرير أخذ الشقيقان يراقبان قدمي إمرأة وهي تتجه نحو لوحة في الجدار فترفعها ثم تضعها أرضا ،

وبعد أن قامت بأمرٍ ما أعادت اللوحة إلى مكانها ثم سمعاها وهي تقول : لم يبق إلا خاتم واحد فقط.

إقرأ أيضا: أولاد الحطاب الجزء الثاني

لكن فجأة أخذت المرأة تجول بعصبية في أرجاء الكوخ حتى اتجهت نحو قدر الطعام فتذوقته ثم قالت بغضب :

من هذا الذي تجرأ على الأكل من طعامي ، الويل له.

ثم سمعا صوت المرأة وهي تتشمم هنا وهناك وكأنها تبحث عنهما بواسطة أنفها ،

فارتعب التوأم وأدركا أنهما قد تورطا مع إمرأة شريرة لن تتوانى عن إيذائهما.

هنا همس سمير لشقيقته مخبرا إياها أنه سيخرج ليلفت أنظار المرأة نحوه وأن على مها أن تستغل الفرصة لتنفذ بجلدها.

توسلت مها به أن لا يفعل لكنه أصر على ذلك ، فما هي إلا ثواني حتى تعثر عليهم تلك المرأة تحت السرير.

الشيء الذي لم يشاهداه الصغيران من مكمنهما تحت السرير هو وجود غراب ذو ريش أشعث كان يقف على كتف المرأة ،

فلما شرع سمير بالتسلل من خلف ظهر المرأة حتى فوجئ بالغراب وهو يزعق عليه بصوت مزعج.

فالتفتت المرأة نحوه بسرعة وأمسكت سمير بقسوة وهي تشده وتصرخ عليه ،

ثم قالت له إنه أنت إذا أيها الوغد الصغير من تجرأ وتسلل إلى بيت الغولة الساحرة ستكون وجبتي العشاء الليلة.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?