قصص منوعة

أونامير والحورية الجزء الأخير

أونامير والحورية الجزء الأخير

قال الحصان : هذا أغرب شيء سمعته! كان بودي مساعدتك ، لكن هناك وادي ملييء بالثعابين ، وهي تأكل كل من يقع بين أيديها ،

وأنصحك أن تحذر أين تضع قدميك.

وهناك شيء آخر ، إذا أمسكوا بك فاطلب رؤية ملكتهم ، وقد يكون جمال وجهك سببا في نجاتك من الموت.

شكره أونامير ، وواصل طريقه ولمّا وصل إلى الوادي هالته كثرة الثعابين ، وكان منها ما هو معلق على الأغصان ،

وما يزحف على الأرض ، فمشى حتى تعبت قدماه ، ورأى جذعا مرميّا فقال :

سأجلس عليه ، وأرتاح ، لكنّه ما كاد يقترب حتى رآه يتحرّك فقد كان ثعبانا ولضخامته إعتقد أنه جذع شجرة ،

فالتفّ حوله ليبتلعه ، لكنّه قال له : إحملني إلى مولاتك ، وإلا نلت عقابها!

لم يجد الثعبان بدّا من الإمتثال لطلبه ، فقد كان يعرف شدة بطشها.

أذنت له الملكة بالدّخول ، وفي نيّتها قتله ، لكن لمّا شاهدته ، سكن غضبها ، وطلبت منه الإقتراب من سريرها ،

ثم أمرت بآنية الشّراب وبفاكهة ، وأومأت له أن يأكل معها ، ويروي لها حكايته.

فقصّ عليها ما حصل مع الحورية ، وصعوده للجبل للبحث عنها.

سمعت الملكة بانتباه ، ثم قالت له : لقد راق لي جمالك ، وستبقى معي في القصر ،

فترجّاها أن تطلقه فهو لا يحبّ إلا تلك الحورية ، فأمرت بحبسه ، وبقي أونامير يبكي ، ويتحسّر على حاله.

فالآن لن يرى زوجته ، ولا أمّه.

بقي أيّاما محبوسا ، وكلّما جاءت ملكة الثّعابين لرؤيته وجدته مصرّا على رأيه ، فقالت له : خسارة أن تموت!

أجابها : لقد متّ في اللحظة التي تركتني فيها الحورية.

وفي الليل سمع أونامير حفيفا ، ثم صوت الباب يفتح فانكمش على نفسه من الخوف ، لكنّه بعد ذلك صاح من الفرح ،

فلقد كان الحصان ذو القرن ، فقال له : هيّا أخرج ، وسأقودك لحبيبتك.

إقرأ أيضا: حكاية هارون الجزء الأول

وما أن ركب أونامير على ظهره حتى أخذ في العدو بسرعة ، وداس على كلّ من إعترض طريقه من الثّعابين.

1 3 4 10 1 3 4 10

وفي الصّباح وصلا لأرض الحوريات ، فقال أونامير للحصان : لم أكن أتوقّع قدومك ، فما الذي جعلك تغيّر رأيك ، وتعرّض نفسك للمخاطر ؟

أجابه : لو متّ فلن يكون هناك أمل ، فيوما ما سيجد الإنس وسيلة للصعود إلى هذا الجبل ويقضون على كل ما فيه من جمال وحياة ،

لكن أنت والحورية بإمكانكما جعل كلّ المخلوقات تعيش بسلام ، وتتعاون ، هل فهمت الآن يا صديقي لماذا فعلت ذلك؟

قال أونامير : ليس كلّ البشر سيّئون ، وسأعمل أن يكون هذا ممكنا.

بعد قليل لاحت لهما قرية الحوريات ، وكانت محفورة في نباتات فطر ضخمة ، وسأل عن بيت بدرة ،

وقبل أن يطرق الباب ، فتحت له ، وقالت : لقد عرف أنّك ستأتي ، تعال لأريك عجائب هذه الأرض.

وأخذا يتجوّلان ، وأونامير مندهش من الثّمار وأصناف الحيوانات التي لم يرها قبل ذلك ،

ثمّ قالت له : سنعيش هنا ، ولن ترجع إلى حارتك! أجابها : وأمّي ؟

ردّت عليه : لقد إخترت المجيئ إليّ ، ولم يجبرك أحد عن ذلك.

قال لها : ملكة الثعابين حكت نفس الشيء ، ردّت الحورية : ألم تدرك بعد أن من يدخل إلى هنا لا يخرج حيّا ،

حتى إن أردت الرّجوع معك ، فلن تحيا بعد أن تنفّست هواءنا ، وشربت من مائنا ،

لقد صرت نقيّا مثلنا هل فهمت يا أونامير ؟

ونحن لنا مرآة سحرية نرى بها الأرض في الأسفل ، بإمكانك أن تشاهد أمّك ، لكن لا تطل البقاء ،

فلو أمطرت السماء لجرفتك المياه ، وتسقط من الجبل.

أمضى الفتى مع حبيبته أشهرا ، لكن لم ينس قطيعه ، وأمّه.

إقرأ أيضا: قادر يعطيك ويشقيك وقادر يحرمك ويسعدك

وفي أحد الأيّام نظر في المرآة ، فرأى أنّ خرفانه قد تفرّقت ، وأكلت أكثرها الذئاب ،

أمّا أمّه فصارت عمياء من كثرة البكاء عليه ، وكان في يدها سكّين وقربها خروف العيد وهي تقول :

يا ليت إبني كان قربي ، ونحر هذه الأضحية!

لمّا رأى أونامير ما حلّ بأمّه وماشيته ، بدأ يبكي ويشهق ، بعد قليل بدأ المطر ينهمر ،

لكنّه من شدّة حزنه نسي وصيّة الحورية ، فسقط من أعلى الجبل ، وطارت نقطة من دمه ، فوقعت في عيني المرأة ،

فعاد لها بصرها ، ونقطة أخرى على رقبة الخروف ، فنحرته ،

أمّا الحورية فلمّا علمت ما حلّ بأونامير ، نزلت لتراه ، وبدأت تبكي عليه ،

لكن جائها النّسر العجوز ، وقال لها : في جيبه نبتة الحياة ، وهي الأخيرة التي ما زالت موجودة في الدنيا ،

ولقد أكلت منها نصفا ، ومازال النصف الآخر ، وسيحيا من جديد.

فسحقتها في الماء ، وصبّته في فمه ، وبقيت تحملق فيه.

وبعد قليل بدأت الجروح تندمل ، وعظامه تلتئم ، ثم فتح عينيه ، فقبّلته الحورية ، وضمّته إلى صدرها ،

وقالت : لقد أخفيت نصف الزّهرة لتنقذ بها النّاس الذين تحبّهم ، وهذا الحبّ الذي في قلبك هو الذي جعلك تعيش!

وسمع أهل القرية بالحكاية فكفّوا عن قطع الأشجار ، واصطياد الحيوانات ، فكثرت الطيور والفراشات ،

وأصبح الماء صافيا والهواء نقيّا ، وصار بإمكان الإنس الصّعود إلى الجبل والنّزول ،

فقد تحوّلت تلك القرية في النّهاية إلى جزء منه ، ولفّتها الأشجار ، ولم يعد يعرف أحد مكانها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?