أين الله سبحانه وتعالى عما يحدث للمسلمين هذه الأيام؟

أين الله سبحانه وتعالى عما يحدث للمسلمين هذه الأيام؟ ولماذا لا ينتقم لهم؟

‏روى مسلم ، وأحمد ، والنّسائيُ ، وأبو داود ، من حديث أبي هريرة :

‏أنَّ النبي صل الله عليه وسلم جاءَه ناس من أصحابه فقالوا : يا رسول اللهِ ،

نجدُ في أنفسِنا الشيءَ نُعَظِّمُ أن نتكلَّمَ به ،
ما نحبُّ أنَّ لنا الدُّنيا وأنَّا تكلمْنا به!

‏فقال لهم النَّبيُّ صل الله عليه وسلم : أوَ قَدْ وجدتموه؟

‏قالوا : نعم!
‏فقال لهم النّبيُّ صل الله عليه وسلم : ذاك صريحُ الإيمانِ!

‏الأزماتُ والفِتنُ ملعبُ الشّيطان ، وفرصته السانحة ليُفسدَ على المؤمن إيمانه ، ونحن بشرٌ نهاية المطاف ،

تخفى علينا حكمة الله جل في علاه في بعض الأمور ،

وليس لنا من الأمر إلا ما نشاهده ، وتدور في العقل أسئلة ، يخاف المرءُ أن يتحدّث بها ، ويدفعها بالاستغفار.

وهذا ليس من نواقض الإيمان بل من كماله ،
فكلما غابتْ عنك الحكمة فسلِّمِ الأمرَ لصاحب الأمر ،

هو أعدل وأرحم من أن يراجع في قضائه ، أو أن يُسأل عمّا قدَّره في ملكه ، وكُلنَّا عبيدٌ في مُلكه!

‏سيقولُ لكَ الشيطان : أين اللهُ عمّا يجري في البلاد العربية ،

‏أولاً : هذه الدنيا دار امتحانٍ لا دار جزاء ، واللهُ هو الذي يسألُ عبده عمّا فعلَ فيما امتحنه به ،

لا العبدُ هو الذي يسألُ ربّه : لِمَ امتحنتني في هذا؟

فلنتأدّبْ!

إقرأ أيضا: صفات المؤمنين الإيثار

‏ثانياً : إنَّ الأشياء تُؤخذُ بمحصّلتها النهائية وليس بظرفها الحالي ،

فلو شهدتَ فرعون يُلقي أبناء الماشطة في الزيت المغلي حتى تطفو عظامهم ، ثم يُلقيها معهم حتى تطفو عظامها أيضا ،

لسألتَ سُؤال العبد المُتلهّف للانتقام : أين الله؟ ما ذنبُ الأطفال أن يُقتلوا بهذه البشاعة؟ ولمَ لا يدفعُ عن هذه المسكينة؟

‏ثم ما الذي حدث بعدها؟

‏فرعون أطبقَ الله تعالى عليه البحر وهو خالد مُخلّد في النّار ،

والماشطة وأولادها شمَّ النبي صل الله عليه وسلم ريحهم في الجنة ليلة المعراج!

‏ثالثا : إنَّ الله سبحانه يملي للظالم ، ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر ،

ولكن من قال لكَ أن كلّ الظلم موعده الدنيا ،
فلمَ كان يومُ القيامة إذاً ،

ولأيِّ شيءٍ كان الصراط والميزان والحساب ،
ولأيِّ شيءٍ خُلقتِ الجنّة والنّار!

‏أصحاب الأخدود أُحرقوا جميعاً في الدُّنيا ،
وأنطقَ اللهُ تعالى الرّضيع ليقول لأمه : اثبتي فإنّكِ على الحق!

فخاضت غمار النّار!

‏ولم يُحدّثنا اللهُ تعالى أنه انتقمَ لهم في الدنيا ، ولكنّه سيفعلُ هذا يوم القيامة!

‏المعاركُ ليست بنتائجها الظّاهرة ، فإن ربحتَ كلّ الصراعات ثمّ أُلقيتَ في النّار فإنّك خاسر ،

وإن سُحقتَ وأُحرقتَ وأنتَ على الحقّ فأنتَ فائز!

‏رابعا : لو أنفذ الله تعالى انتقامه عند كلّ ظلمٍ لانتفى مبدأ الإمتحان في الدنيا من أساسه!

إقرأ أيضا: مشركون هم الذين أوصلوا الطعام للمسلمين المحاصرين في شعب أبي طالب

‏ولو ربح الحق كلّ جولةٍ في صراعه مع الباطل لامتلأتْ صفوفه بعُبَّاد النّتائج!

‏ولكنَّ الله تعالى أراد هذه الدُّنيا زلزالاً للقلوب ، وصاعقةً للمبادىء!

‏فإن لم يكُنْ عدوانٌ وإجرامٌ فكيفَ سيُمتحنُ العباد ،

ثمّ ينقسمون إلى مجاهدين ومتخلّفين ، وإلى مُناصرين ومُخذّلين ، وإلى مُنفقين في سبيل اللهِ وباخلين في سبيل الشّيطان!

‏خامساً : إنَّ مخاضَ إمرأة واحدة يصحبه طلقٌ وألم ، هذا والميلاد طفل!

فكيف بمخاض أُمّة كاملة والميلاد ميلاد عزٍّ ودولة!

‏إنّكَ لو كنتَ في قريشٍ حين أوتدَ أبو جهلٍ لسُميّة في الأرض وربطها ثمّ أنفذَ فيها حربتَه لقلتَ كما تقول الآن : أين الله؟

‏وإني أسألكُ : فأين سُميّة الآن وأين أبو جهل؟!

‏وإنكَ وقتذاك لو رأيتَ بلالاً على رمضاء مكّة والصخرة على صدره ، وأميّة بن خلفٍ يطلبُ يأمره أن يذكر اللاتَ وهُبل ،

وهو يُرددُّ بما بقي فيه من نفسٍ : أحد ، أحد!
‏لقلتَ : أين الله الأحد؟!

‏وإني أسألكَ الآن : فأين بلالٌ الآن وأين أُميّة!

‏ثمَّ وإن كنتَ لا ترى من النّصر إلا ما يكون في الدُّنيا ، فأنتَ وقتذاك ما كنتَ تحسبُ أن نصراً سيأتي!

ولكنك تعلمُ الآن أنّ مكّة قد فتحت ، دخلها الذين كانوا يُعذّبون فيها من أبوابها الأربعة في وضح النهار!

‏إنَّ للرّب الحكيم توقيته في الحوادث ، فإن فهمتَ فالزَمْ ، وإن لم تفهَمْ فسلِّم.

Exit mobile version