إسلام

أيُّها النَّاسُ لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ

أيُّها النَّاسُ لا تَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ،

ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ ، وهَازِمَ الأحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم.

العَافِيةُ نِعمةٌ مِنَ النِّعَمِ التي يَنبَغي على المَرءِ أنْ يُدَاوِمَ على سُؤالِ المَوْلَى سُبحانَه وتَعالى إيَّاها.

وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ سالِمٌ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ -وكان كاتِبًا له- أنَّه قَرَأ كِتابًا كَتَبَه عَبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفَى رَضيَ اللهُ عنهما ،

إلى عُمَرَ بنِ عُبَيدِ اللهِ الذي كان أميرًا لِلحَربِ على الخَوارِجِ والحَرُوريَّةِ في عَهدِ الخَليفةِ علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه ،

والحَرُوريَّةُ همْ فِئةٌ مِنَ الخَوارِجِ ، وسُمُّوا بالحَرُوريَّةِ ؛ نِسبةً إلى حَروراءَ ، وهي مَوضِعٌ قَريبٌ مِنَ الكوفة ،

وهي البَلَدُ الذي اجتَمَعَ الخَوارِجُ فيه أوَّلَ أمْرِهم.

«إنَّ رَسولَ اللهِ صل الله عليه وسلم في بَعضِ أيَّامِه» ، أي : غَزَواتِه

«التي لَقيَ فيها العَدُوَّ ، انتَظَرَ حتَّى مَالَتِ الشَّمسُ» ، وتَحرَّكَتْ عن وَسَطِ السَّماءِ ، وبذلك تَكونُ الحَرارةُ قدِ انكَسَرت.

«ثمَّ قَامَ في النَّاسِ» المُحارِبينَ معه ، فخَطَبَ فيهم

«فقال : أيُّها النَّاسُ ، لا تَمَنَّوْا لِقاءَ العَدُوِّ» ، وهذا النَّهيُ لِأنَّ المَرءَ لا يَعلَمُ ما يَنتَهي إليه أمره ،

ولا كيف يَنجُو منه ، ولِأنَّ الناسَ مُختَلِفونَ في الصَّبْرِ على البَلاءِ ،

ولِأنَّ العافيةَ والسَّلامةَ لا يَعدِلُها شَيءٌ.

وأيضا نَهَى صل الله عليه وسلم عن تَمَنِّي لِقاءِ العَدُوِّ ؛

لِمَا فيه مِن صُورةِ الإعجابِ بالنَّفْسِ ، والاتِّكالِ عليها ، والوُثوقِ بأسبابِ القوة ،

ولِأنَّه يَتضَمَّنُ قِلَّةَ الاهتِمامِ بالعَدُوِّ واحتِقارَه ، وهذا يُخالِفُ الاحتياطَ والحَزم.

إقرأ أيضا: الصحابي الذي قتل الشيطانة

«وسَلُوا اللهَ العافيةَ» ، والعافيةُ مِنَ الألفاظِ العامَّةِ المُتناوِلةِ لِدَفْعِ جَميعِ المَكروهاتِ في البَدَنِ والمالِ والأهلِ والدُّنيا والآخرة ،

وخُصَّتْ بالدُّعاءِ في هذا المَقامِ ؛ لِأنَّ الحَربَ مَجالُ الإصاباتِ والابتِلاء.

ثمَّ قال لهم : «فإذا لَقيتُموهم فاصْبِروا» فالصَّبرُ في القِتالِ والحَربِ فَرضٌ على المُسلِمِ ما دام ذلك في قُدرَتِه وطاقَتِه ،

وإنَّما يَأتي النَّصرُ لِمَن صَبَرَ أكثَر ،

1 3 4 10 1 3 4 10

«واعلَموا أنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلالِ السُّيوفِ» ، أي : أنَّ لِقاءَ العَدُوِّ والنِّزَالَ بالسُّيوفِ مِنَ الأسبابِ المُوجِبةِ لِلجَنَّة ،

ثمَّ سَأَلَ اللهَ تعالَى النصرر، فقال : «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتابِ» ، وهو القُرآن ،

«ومُجْريَ السَّحابِ» بالأمطارِ والصَّواعِقِ ونَحوِها ،

«وهازِمَ الأحزابِ» وهُمُ الأحزابُ الذين اجتَمَعوا عليه صل الله عليه وسلَّمَ في غَزوةِ الخَندَقِ (الأحزابِ) ،

فهَزَمَهمُ اللهُ بالرِّيحِ العاصِفةِ مِن دُونِ قتال ،

«اهْزِمْهم وانصُرْنا عليهم».

وهو يُشيرُ بإنزالِ الكِتابِ إلى قَولِه تعالَى :

{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] ،

ويُشيرُ بـ«مُجريَ السَّحابِ» إلى القُدرةِ الظَّاهِرةِ في تَسخيرِ السَّحابِ ،

حيث يُحرِّكُ الرِّيحُ السَّحابَ بمَشيئةِ اللهِ ،
وحيث يَستَمِرُّ في مَكانِه مع هُبوبِ الرِّيحِ بمَشيئةِ اللهِ ،

وحيث يُمطِرُ السَّحابُ تارة ، ولا يُمطِرُ أُخرى ،
فأشارَ بحَرَكَتِه إلى إعانةِ المُجاهِدينَ في حَرَكَتِهم في القِتال ،

وبوُقوفِه إلى إمساكِ أيدي الكُفَّارِ عنهم ،
وبإنزالِ المَطَرِ إلى غَنيمةِ ما معهم ، حيث يَكونُ قَتْلُهم ،

وبعَدَمِه إلى هَزيمَتِهم ، حيث لا يَحصُلُ الظَّفَرُ بشَيءٍ منهم ، وكُلُّها أحوالٌ صالِحةٌ لِلمُسلِمين.

وأشارَ بـ«هازِمَ الأحزابِ» إلى التَّوسُّلِ بالنِّعمةِ السَّابِقةِ في غَزوةِ الأحزابِ ، وإلى تَجريدِ التَّوكُّلِ واعتِقادِ أنَّ اللهَ هو المُنفَرِدُ بالفِعلِ.

وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن تَمَنِّي لِقاءِ العدو ، وهذا غَيرُ تَمَنِّي الشَّهادةِ.

وفيه : أنَّ الإنسانَ إذا لَقيَ العَدُوَّ فإنَّ الواجِبَ عليه أنْ يَصبِرَ.

وفيه : الدُّعاءُ على المُشرِكينَ بالهَزيمةِ والزَّلزَلةِ.

الراوي : عبدالله بن أبي أوفى.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?