إبليس ينتصر

إبليس ينتصر

اتخذ قوم شجرة ، صاروا يعبدونها ، فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله ، فحمل فأسا وذهب إلى الشجرة ليقطعها.

فلم يكد يقترب منها حتى ظهر له إبليس حائلا بينه وبين الشجرة ، وهو يصيح به :

مكانك أيها الرجل! لماذا تريد قطعها؟
لأنها تضل الناس.

وما شأنك بهم؟ دعهم في ضلالهم!
كيف أدعهم.ط ، ومن واجبي أن أهديهم؟

من واجبك أن تترك الناس أحرارا ، يفعلون ما يحبون.

إنهم ليسوا أحرارا ، إنهم يصغون إلى وسوسة الشيطان.

أو تريد أن يصغوا إلى صوتك أنت؟!
أريد أن يصغوا إلى صوت الله!
لن أدعك تقطع هذه الشجرة.
لا بد لي من أن أقطعها.

فأمسك إبليس بخناق الناسك ، وقبض الناسك على قرن الشيطان ، وتصارعا طويلا ، إلى أن انجلت المعركة عن إنتصار الناسك.

فقد طرح الشيطان على الأرض وجلس على صدره وقال له :

هل رأيت قوتي ؟
فقال إبليس المهزوم بصوت مخنوق : ما كنت أحسبك بهذه القوة ، دعني وافعل ما شئت.

فخلى الناسك سبيل الشيطان ، وكان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه ، فرجع إلى صومعته واستراح ليلته.

فلما كان اليوم التالي حمل فأسه ، وذهب يريد قطع الشجرة ، وإذا إبليس يخرج له من خلفها صائحا :

أعدت اليوم أيضا لقطعها؟!
قلت لك لابد لي من أن أقطعها ، أو تظنك قادراً على أن تغلبني اليوم أيضا؟

سأظل أقاتلك حتى أعلي كلمة الحق!
أرني إذن قدرتك!

وأمسك بخناقه ، فأمسك الناسك بقرنه ، وتقاتلا وتصارعا إلى أن أسفرت الموقعة عن سقوط الشيطان تحت قدمي الناسك.

إقرأ أيضا: الرجال الخمسة الذين قتلهم جبريل بنفسه

فجلس على صدره وقال له : ما قولك الآن في قوتي؟!
حقا ، إن قوتك لعجيبة ، دعني وافعل ما تريد.

لفظها الشيطان بصوته المتهدج المخنوق فأطلق الناسك سراحه ، وذهب إلى صومعته واستلقى من التعب والإعياء حتى مضى الليل وطلع الصبح فحمل الفأس ،

وذهب إلى الشجرة فبرز له إبليس صائحا فيه :
ألن ترجع عن عزمك أيها الرجل؟!
أبداً لابد من قطع دابر هذا الشر!

أتحسب أن أتركك تفعل؟!
إن نازلتني فإني سأغلبك.

فتفكر إبليس للحظة ، ورأى أن النزال والقتال والمصارعة مع هذا الرجل لن تتيح له النصر عليه ،

فليس أقوى من رجل يقاتل من أجل فكرة أو عقيدة.

ما من باب يستطيع إبليس أن ينفذ منه إلى حصن هذا الرجل غير باب واحد : الحيلة.

فلتطف للناسك وقال له بلهجة الناصح المشفق :

أتعرف لماذا أعارضك في قطع هذه الشجرة؟!

إني ما أعارض إلا خشية عليك ورحمة بك ، فإنك بقطعها ستعرض نفسك لسخط الناس من عبادها.

مالك وهذه المتاعب تجلبها على نفسك؟ اترك قطعها وأنا أجعل لك في كل يوم دينارين ،

تستعين بهما على نفقتك وتعيش في أمن وطمأنينة وسلامة!

دينارين؟!
نعم في كل يوم ، تجدهما تحت وسادتك!

فأطرق الناسك مليا يفكر ، ثم رفع رأسه وقال لإبليس :

ومن يضمن لي قيامك بالشرط ؟
أعاهدك على ذلك ، وستعرف صدق عهدي.

سأجربك.
نعم ، جربني.
اتفقنا.

ووضع إبليس يده في يد الناسك وتعاهدا ، وانصرف الناسك إلى صومعته وصار يستيقظ كل صباح ،

ويمد يده ويدسها تحت وسادته فتخرج بدينارين ، حتى إنتهى الشهر.

إقرأ أيضا: مراتب الناس في الصلاة

وفي ذات صباح دس يده تحت الوسادة فخرجت فارغة ، لقد قطع إبليس عنه فيض الذهب ،

فغضب الناسك ، ونهض فأخذ فأسه وذهب إلى قطع الشجرة ،

فاعترضه إبليس في الطريق ، وصاح فيه :
مكانك! إلى أين؟
إلى الشجرة ، أقطعها!

فقهقه الشيطان ساخرا :
تقطعها لأني قطعت عنك الثمن!

بل لأزيل الغواية وأضيء مشعل الهداية!
أنت؟!

أتهزأ بي أيها اللعين؟!
لا تؤاخذني ، منظرك يثير الضحك!
أنت الذي يقول هذا ، أيها الكاذب المخاتل؟!

وانقض الناسك على إبليس وقبض على قرنه وتصارعا لحظة ،

وإذا المعركة تنجلي عن سقوط الناسك تحت حافر إبليس ، فقد انتصر وجلس على صدر الناسك مزهوا مختالا يقول له :

أين قوتك الآن أيها الرجل؟! فخرج من صدر الناسك المقهور صوت كالحشرجة يقول :

أخبرني كيف تغلبت أيها الشيطان؟!
فقال له إبليس :

لما غضبت لله غلبتني ، ولما غضبت لنفسك غلبتك ، لما قاتلت لعقيدتك صرعتني ، ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك!

Exit mobile version