إختلف الإمامان الجليلان مالك والشافعي رضي الله عنهما ، فالإمام مالك يقول
أن الرزق بلا سبب بل لمجرد التوكل الصحيح على الله يرزق الإنسان ،
مستنداً للحديث الشريف ( لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ).
أما إمامنا الجليل الشافعي ، فيخالفه في ذلك ،
فيقول لولا غدوها ورواحها ما رُزقت ، أي إنه لا بد من السعي.
وكل على رأيه.
فإمامنا مالك وقف عند ( لرزقكم كما يرزق الطير ) وتلميذه الشافعي قال لولا الغدو والرواح لما رزقت.
فأراد التلميذ أن يثبت لأستاذه صحة قوله ، فخرج من عنده مهموما يفكر.
فوجد رجلا عجوزا يحمل كيسا من البلح وهو ثقيل فقال له :
أحمله عنك يا عماه وحمله عنه ، فلما وصل إلى بيت الرجل ، أعطاه الرجل بضع تمرات إستحسانا منه لما فعله معه ،
هنا ثارت نفس الشافعي وقال : الآن أثبت ما أقول ، فلولا أني حملته عنه ما أعطاني ،
وأسرع إلى أستاذه مالك ومعه التمرات ووضعها بين يديه وحكى له ما جرى وهنا إبتسم الإمام الرائع مالك ،
وأخذ تمرة ووضعها في فيه وقال له : وأنت سقت إلي رزقي دونما تعب مني.
فالإمامان الجليلان إستنبطا من نفس الحديث حكمين مختلفين تماما وهذا من سعة رحمة الله بالناس.
هي ليست دعوة للتواكل ، لذا سألحقها بقصة جميلة عن إبراهيم بن أدهم.
فيحكى أنه كان في سفر له وكان تاجرا كبيرا وفي الطريق وجد طائرا قد كسر جناحه ،
فأوقف القافلة وقال : والله لأنظرن من يأتي له بطعامه ،
أم أنه سيموت فوقف مليا ، فاذا بطائر يأتي ويضع فمه في فم الطائر المريض ويطعمه.
إقرأ أيضا: لولا الله اللطيف لكانت المصائب خالية من الأجر والثواب
هنا قرر إبراهيم أن يترك كل تجارته ويجلس متعبدا بعد ما رأى من كرم الله ورزقه ،
فسمع الشبلي بهذا فجاءه وقال : ماذا حدث لتترك تجارتك وتجلس في بيتك هكذا ؟
فقص عليه ما كان من أمر الطائر فقال الشبلي قولته الخالدة : يا إبراهيم ، لم اخترت أن تكون الطائر الضعيف ،
ولم تختر أن تكون من يطعمه ؟
ولعله يقول في نفسه حديث الرسول صل الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ).
يا الله على هذا الفهم الرائع والإستيعاب للرأي الآخر إذا كان له مسوغ شرعي.
الخلاصة : هنالك أرزاق بلا سبب فضلاً من الله ونعمة ، وهنالك أرزاق بأسباب لا بد من بذلها.