إسلام

إلى ربك يومئذ المستقر

إلى ربك يومئذ المستقر

قرأها الإمام ، فوقع معناها في قلبي موقعا عجيبا ، فالإضطراب والصخب والتعب والنصب لا بد لهم من نهاية ، ونهايتهم ليست هنا ، إنما هناك عند ربك.

عدت إلى التفسير ، فوجدت التفاسير كلها تدور حول التوقف والاستقرار وانتهاء تلك الحياة الملآى بالتعب والنصب والمظالم.

فهمت كم كان المصلحون يتشوفون ، ويتشوقون إلى ذلكم الهدوء ، وتلكم السكينة الأبدية.

هناك في “المُستَقرّ” ، ذكروا أبيات لأبي حامد الغزالي وهو يستثقل الدنيا ويبتسم للآخرة كتبها قبل موته بلحظات :

قل لإخوان رأوني ميتاً. فبكوني ورثُوا لي حزنا
أتظنون بأني ميتكم. ليس ذاك الميت واللَه أنا
أنا عصفور وهذا قفصي ، كان سجني فتركت السجنا

إلى أن قال :
قد ترحلت وخلفتكم ، لست أرضى داركم لي وطنا

لا تظنوا الموت موتاً إنه ، لحياة وهي غاية المنى.

كأنه رحمه الله كان يعيش في الدنيا بنفسية المسافر ذي الوضع المؤقت ، فلما مات وصل إلى بيته!

“إلى ربك يومئذ المستقر”

وذِكْر ُالربوبية هنا فيه معنى الإيناس للمؤمنين ، كأن الله تعالى يقول لأوليائه :

لا راحة لك إلا في البيت الأخير الذي أعده لك ربك بعدما عانيت من لأواء الدنيا ، ووعثاء السفر.

كم كان الإمام أحمد رحمه الله رائعا في رده عندما قال لمن سأله متى يجد المؤمن طعم الراحة؟

قال : عند أول قدم له في الجنة!

كأن ما قبل ذلك تعب ونصب ولو كنت أغنى الناس وأعلاهم.

إقرأ أيضا: سأل الطلاب شيخهم المفسر العلامة محمد الطاهر بن عاشور

“إلى ربك يومئذ المستقر”

لما استشعرتها بهذا المعنى فهمت لم كان بلال رضي الله عنه سعيدا بترك الدنيا مستبشرا بالآخرة وهو يقول :

غدا ألقى الأحبة ، محمدا وصحبه.

كأن لقياهم في الدنيا لم تكن تشبعه ، لأن بعدها الفراق ، أما في الآخرة فلقيا بلا فراق ، وحياة بلا موت ، ونعيم بلا ترك.

“المستقر”

1 3 4 10 1 3 4 10

قرأتها بنفسية المسافر يستحث الدابة بعدما أتعبه بعد الطريق ، وهيجه طول السفر فأحسست بروعة المعنى.

قيل لأحدهم : لم ينزعج الناس من الموت؟!
فقال : لأنهم لما يستشعروا بعد أن الحياة الحقيقية بعده لا قبله!

“إلى ربك يومئذ المستقر”

ما أبردها على قلوب المتعبين والمبتلين والمظلومين!

فليس ههنا يتحصل الناس على راحتهم أو حقوقهم حق التّحصُّل.

وليس هنا ما يستحق إفناء النفس وإرهاقها ،
لأن الأمر أعجل من ذلك كما قال مالك بن دينار.

أما هناك فالسعادة مستقرة ، والراحة مستقرة ، وحتى انتقام الله ممن آذوا بعض خلقه مستقر ،

لأن عامل الزمن لم يعد موجودا بعكس هذه الدنيا.

لا زلت أقول : ما أروع رِيِّ الآيات ، عندما يأتي على ظمأ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?