إن واصلت اجتهادك يا زكريا سأسجلك للذهاب في رحلة المدرسة هذه السنة.
أجمل كلمة غزل قيلت لي منذ نعومة أظافري ليومنا هذا
في الحقيقة لا زلت في مرحلة نعومة الأظافر فعمري تسع سنوات فقط لكنها أجمل عبارة سمعتها قط.
كانت الرحلات المدرسية ضربا من الأحلام، أسرح فيها وأنا أبيع الزعتر على قارعة الطريق ملوحا للسيارات القادمة من نزهاتها والتي أشم فيها رائحة البحر
بحر يا ويل قلبي من البحر
حلمي الأكبر
ذلك العملاق الأزرق الكبير الذي تحيط به الرمال الصفراء من كل جانب
يقول سليم ابن عمي حين يأتون لزيارتنا أن هواء البحر يرد الروح ،
لا أفهم ما يقصده لكنني سأعرف هذا حين أذهب هناك وأرى البحر.
أحب سليم كثيرا لأنه يحكي لي عن البحر، وأكرهه حين يسخر من بيعي للزعتر والتين والبيض
ولأنه محظوظ يرى البحر كثيرا على عكسي
حين سلمونا الدفاتر وكنت الأول على الفصل لم أعرف كيف أطلقت زغرودة عالية،
تحرك لساني فجأة مثل خالتي سعيدة، اليوم عرفت لما تزغرد النسوة وقريبا سأعرف كيف يرد البحر الروح يا للفرح ،
فرح عارم لم تستطع عصا معلمتي التي رسمت على كفي كعقاب على تصرفي أن تمحو اثره.
كنت أحلق لأرتطم فجأة بالأرض وهي تخبرنا أن نحضر تكاليف الرحلة.
خمس مئة دينار، من أين سأحضرها؟
كنت أظن أن الرحلة مجانية للمتفوقين.
استدار ياسر يسخر مني، هو صاحب المركز الثاني وسيذهب بدلا عني لو لم أدفع التكاليف.
لن يحدث، عقدت العزم، ولن يحدث.
بعض الزعتر سيحل الأمر وبعض حبات البيض
لكن دجاجتنا ماعادت تلد بيضا.
عمتي زكية
تملك الكثير من البيض، سأستعيره منها لأبيعه للمعلمات هنا، وأرجعهم يوما ما، هو دين.
كانت سرقة البيض من عمتي
زكية أخطر من القفز من أعلى المنحدر، لكنني نجحت وجمعت نقود الرحلة.
يا أطفال سنمر بحديقة (الحيوانات أولا ثم نتجه لشاطئ ميسيدا استعدوا)
لا أنكر أنني ككل الأطفال أحب الأسد والنمر وأرغب في رؤيتهم لكن شوقي للبحر كبير،
إقرأ أيضا: قصة عجيبة تقشعر منها اﻷجسام
اريد الوصول بأسرع وقت لأقفز في رماله، أتبلل بمائه وأتذوقه، هل هو مالح حقا؟ أم أن سليم يكذب
أريد أن أرى كيف يرد البحر الروح.
معلمتي لنذهب للبحر أولا وبعدها الحديقة.
صوتي لم يصل للمعلمة حتى أخرسه الأولاد فصمت.
لا بأس لن يستغرق الأمر طويلا ساعة أو اثنتين وأرى البحر.
لو أن بوسعي ترك الجميع في هذا المكان والركض للبحر
فقط لو أعرف أين مكانه.
فجأة بدأ الجميع يركض
كنت أهمس فقط هل سمعوني؟
هل يركض هذا الجمع الغفير كله للبحر؟
هل هم مشتاقون لرؤيته بقدري؟
صرخ أحدهم النيران تحاصرنا اركضوا.
وركضنا
كانت أكثر مرة تمنيت لو تمتد أمواج البحر وتنتشلني.
حاولت اقناع النيران التي حاصرتني أنني غريب
أنني لم آتي لأجلها
أنا فقط رغبت برؤية البحر
لم تستمع
امتدت لتقطف ثيابي وجسدي وروحي.
أنا لا أرغب بالموت
ستجن أمي حين تعرف أنني بعت الزعتر المخزن للشتاء
ستدعو علي العمة زكية ودجاجاتها إن لم أعد بيضها
لم تستمع النيران
لم يحبني البحر وينجدني
كاذب سليم
البحر لا يرد الروح
ها هي روحي تختطف على بعد كيلومترات منه ولم يمدد يده ليعيدها.
البحر لا يرد الروح.