إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ
عشت بكل جوارحي مع ذلك الرجل المؤمن وهو يسعى من أقصى المدينة ينصر الحق وحده.
وعشت معه وهو يدافع الحراس حتى يمنع الملك عن الرسل وحده ،
وعشت معه وهو يتلقى غضب الملك مدافعا عن الرسل وحده ، ثم عشت معه وهو يتلقى جزاء الغيرة على الدين وحده.
تخيلتهم وهم يمسكون به وهو الرجل الأوحد وهم يقولون له : “وأنت تخالف ديننا ، ثم يثبون عليه وثبة رجل واحد فيقتلونه.
قال ابن مسعود : وطئوه بأرجلهم حتى خرجت أمعاؤه من دبره!
تخيلت حاشية الملك وهي تضحك عليه مضروبا ، وتشمئز من منظر جسمه المتهتك وأمعائه الخارجة من دبره ميتا!
تخيلته وحيدا إلا من اعتزازه بدينه ، وربط مصيره بمصيره.
عشت معه وهو الوحيد المؤمن في قريته ، المدافع عن قضيته ،
فعلمت أن الله لا يخلد ذكر الخاملين ، إنما يخلد ذكر المتفردين المتفانين من أجل الدين!
فعل ما فعله وهو لا يعلم ما سيفعله الله من أجله ، وما أعده له في جنته ، فكيف لو كان يعلم؟!
ثم تخيلت هؤلاء الضاحكين من أهل القرية على أمعائه المتدلية ، وهؤلاء المتحمسين لضربه حتى الموت من جند الملك وهم يفرحون قليلا ، ثم يهلكون قريبا.
فقد جاءهم الهلاك أسرع ما يكون! وما ضر مؤمن آل ياسين أن يضحك الناس عليه ميتا ، ثم يضحك هو في الجنة بعد قليل حيا!
ثم عشت معه في الجنة صارخا فينا موصلا صوته ، موغلا في أسماعنا عبر آلاف السنين :
{ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}
يس ، كأنه يصرخ في الأمم اللاهية والدعاة الخاملين ، فكلاهما يستحق الصراخ!
العاصي اللاهي ، والداعية الخامل رغم ما يرى من بعد قومه عن الله.
إقرأ أيضا: روائع قرآنية ومعجزات علمية
وكأن الله سبحانه يوصل صوته عبر الآية إلى يوم القيامة لمن يريد أن يسمعه ،
كأن الآيتين مكبر صوت يمسكه مؤمن آل ياسين يصرخ فينا من خلاله قائلا :
انصروا دين الله وإن وطئتكم الأقدام ، وتمزقتم أشلاء ، وخرجت الأمعاء من الدبر.
فمشهد الموت المروع اليوم يعقبه مشهد الحياة الآخرة الرائع.
ثم يصرخ في أولئكم المجرمين المبتسمين لفعال كل ظالم الساخرين من كل مؤمن ، الساكتين على ظلم كل مظلوم.
يا ليتكم تعلمون أن ضحكات الدنيا قصيرة ، ومتعها حقيرة ، وزوالها عاجل أمام ما عاينته من النعيم الخالد!
إيه يا مؤمن آل ياسين! كم أقمت من حجة ، وأسمعت من أصم.
حتى قال عنك ابن عباس : نصح لله حيا وميتا!
لا يزال القرآن يفيض علينا من فيوضاته ولو قرأنا آياته ألف مرة ، فالقرآن ذاخر بعطاءاته.
سيما لو ربطنا أحداث اليوم بأخواتها من أوجاع الأمس ، فالأحداث مكرورة وإن اختلفت الأسماء.