اكتشفت أن ابنتي ذات السبعة عشر ربيعا على علاقة مع أحدهم ، لم أكد اصدق ذلك من هول الصدمة ،
من خلف باب غرفتها كنت أهوي ببطئ وأنا أسمع همساتها وصوت ضحكاتها الخافتة وهي تحدثه ، تهيأ لي بداية أني أتخيل ،
وأنه مجرد تمثيل مع صديقتها ، فكيف لإمرأة مثلي لم تعصي والدتها يوما أن تتمرد ابنتها عليها بهذا الشكل!
فكرت للحظة في اقتحام غرفتها مدام الدليل متوفرا ولا يمكنها انكاره ،
فكرت لوهلة في إبلاغ والدها حتى يشبعها ضربا وينتزع منها هاتفها وسعادتها المزيفة تلك.
لكني تريثت قبل ذلك ، فقد يحرمها أيضا من دراستها والتمتع بشبابها مع صديقاتها فوالدها صعب المزاج ،
وقد يسارع لتزوجيها مع أي كان حتى يخلص نفسه من فضيحة قد تقترفها مستقبلا.
لذا قررت محاورتها أولا لأشرح لها الأمر ، لأعاتبها وأسألها لما تفعلين هذا؟
خيل إلي أني أجالسها وأسألها وأسمع أجوبتها ، كنت أقول لها لما تتبعين الحرام ، لما لا تنتظرين شابا في الحلال ليسعدك ،
فلا تجيب ليس لأنها لا تملك الإجابة بل لأنها تخجل من قول الحقيقة.
ليست حقيقة فعلتها ، بل حقيقة عدم ثقتها في الزواج دون حب ،
فكأنما ستقول لي ” تقصدين شابا مثل والدي لأشتكي كل يوم تصرفاته لابنتي مثلما لا تكفين عن شكواك ،
أو لأكون إمراة مثلك لا يتوقف والدي عن الإساءة إليها وعدم احترامها؟ “
هكذا سيكون جوابها لكنها لن تقوله خشية شدة غضبي منها ، لكنها الحقيقة ،
أنا ووالدها لا نغريها لانتظار الحلال ، أنا ووالدها لا نعيش حياة كالتي تتمناها ،
وأنا ووالدها لا نكف عن الشجار على أتفه الأسباب.
حينها تنهدت بعمق وفكرت مليا في التريث قبل مواجهتها فلا فائدة من ذلك ،
ربما كان ذلك نافعا قديما عندما كانت البنت نادرة الخروج والأم من شدة خوفها لا تلجأ إلا للعقاب ،
أما اليوم ، الأمهات متعلمات فلما نستخدم الأساليب نفسها ونحن نعلم أنها لا تتطابق مع عصرنا الحالي.
إقرأ أيضا: تقول بعد شربه لقهوته أخذت الفنجان عنه
لذا قررت التوقف عن الشكوى من والدها أمامها ، توقفت عن نشر السلبيات في المنزل قدر المستطاع ،
وقول كل ما هو جميل عن والدها أمامها.
أصبحت أروي لها كيف كانت بداية زواجنا وكيف أن الزواج الحلال جميل ، وأن المشاكل تحدث في كل بيت ،
وأنها فترة عصيبة فقط مرت والحمد لله ، حتى أني أصبحت أشتري لها ما تتمناه أي بنت بسنها ،
فآخذ مالا من والدها قدر المستطاع ، وأدعو شقيقها إلى اقتناء هدايا لها حتى لا تشعر بالخجل أمام صديقاتها ،
كنت أحدثها من حين لآخر عن تضحيات والدها وحبه لي ولها ، وعن تضحياتي لاسعدها.
فعلت كل ذلك في محاولة لترميم صورة شوهتها تصرفاتنا الخاطئة في ذهنها ،
سعيت جاهدة إلى تحسين رؤيتها للحلال ولو على حساب الكثير من سعادتي ، كنت أشتكي الله حزني عوضا عنها ،
كنت ألجأ إلى السجود والدعاء لي ولها ، حتى أتتني ذات يوم بجسد مرتجف يكاد يهوي وخرت باكية وهي تقول :
” أمي أنا أردت الزواج منه فقط ، لم اشأ فعل ذلك ، أردت زواجا سعيدا عكس زواجكما أنتي ووالدي ،
خلال تلك الفترة العصيبة التي مررتما بها ، لكني لم أعد أريد هذا ،
أصبحت أشعر بالقرف من نفسي حول كل ما اقترفته في حقكما ، رجاء سامحاني.
عندها مسحت على رأسها وقلت ” حتى لو سامحناك نحن ، وجب عليك الإستغفار وطلب العفو من الله ،
لأنك أسأت لدينك وإلى نفسك قبل الإساءة إلينا ، سنرحل أنا ووالدك يوما ما ولن نظل معك ،
وستبقى أخطاؤك حية ملتصقة بك ، ولن تكون لنا فرصة لننصححها لك أو لنعاتبك.
أنا أدعو لك كل فجر ما دمت على قيد الحياة أن يرزقك زوجا طيبا حتى يأخذ الله أمانته ،
فابتعدي عن الحرام حتى لا أخجل مرة أخرى حين أدعو لك بالحلال فجرا وأنت مع الحرام ليلا نهارا ،
لا تجعليني أشعر بالخجل أمام الله ، لا تخذليني أمامه.