الأخوين وقصر الفضة الجزء الأخير
الأخوين وقصر الفضة الجزء الأخير
إقترب الأخ الغنيّ من القصر الموحش فأحسّ بالخوف ، لكنّه قال في نفسه : أخي ليس أشجع منّي ثمّ دفع الباب ، ودخل.
فرأى إبنة الغولة واقفة أمامه فسألته عمّا يفعله هنا ، ومن سمح له بالدّخول ،
فبدأ يبكي وقال أنه رجل فقير يبحث عن عمل ، وقادته قدماه إلى هذا المكان!
فنظرت إلى ثيابه الرثة ولحيته الطويلة ، فأشفقت عليه وقالت له : في الرواق سبعة غرف ،
إفتح السّابعة ، واملأ ما تشاء من الفضّة ، وإياك أن تحاول فتح الغرف الأخرى!
فجرى إلى الغرفة السّابعة ، ووجد فيها أكواما من الفضة الخالصة ، فأخذ كيسا وملأه عن آخره ، وبدأ يجرّه.
لكنه فجأة وقف وقال : قبل أن أمشي سأرى ماذا يوجد في بقية الغرف ، ولما فتح الغرفة المجاورة رأى كدسا كبيرا من الليرات ،
والأواني ، والتماثيل فأفرغ الكيس من الفضة ، وملأه بالذهب ،ثم حدثته نفسه بفتح بقية الأبواب ،
وكلما كان يفتح غرفة يجد شيئا أثمن : واحدة فيها ياقوت والأخرى زمرّد ، والتي بعدها ، ألماس ،
وكان كل مرّة يفرغ الكيس ، ويعيد ملأه بما هو أغلى ثمنا ، ولكثرة طمعه لم يشعر بأنّ الوقت يمرّ بسرعة ،
ويقترب من نصف الليل ، وفي النهاية وصل للباب الأخير ، وكان مزيّنا بالزخارف الجميلة ،
فقال في نفسه : دون شك ما يوجد هنا هو أثمن من كلّ رأيته : ثم فتح الباب فشاهد جرة كبيرة ،
ولما أدخل يده فيها وجدها مليئة بالقمح ، فقال: يجب أن أخرج الآن لكنّه سمع صوت الغولة تقول :
آدمي في قصري والويل له منّي! فترك كل شيء وهرب وهو يلعن حظه ،
فكل هذا التعب لأجل حفنة قمح ، وجرت الغولة خلفه ، فوجدت الحمار ، فقتلته ،وعادت به إلى القصر.
وسار الأخ الغنّي في البراري إلى أن تورمت قدميه ، ولمّا وصل داره كان في حالة يرثى لها ، ولم يعد يقدر على الوقوف ،
فأتت إمرأته بأجير ليشتغل في أرضها وكان صحيح البدن قويّا ، فبدأت تقضي اليوم قربه ويأكلان معا ،
ولما يجوع الرجل يتحامل على نفسه ويبحث في الجرار فيجدها فارغة ،
وفي المساء تعود المرأة وقد شبعت من الطعام ، فتدخل فراشها وتنام.
إقرأ أيضا: قصة واقعية حقيقية فيها من العجب!
فأحسّ الرّجل بالحزن لمعاملتها وهو مريض ، وبدأ يبكي على حظه ، وشدّة طمعه ، فلو أخذ الألماس ،
ولم يفتح الغرفة الأخيرة لكان الآن أغنى شخص في المملكة ، والغولة معها الحق ،
فالقمح أغلى من كل شيء ، ما هو فائدة المال حينما لا تجد ما تأكله ، لقد فهم ذلك فقط عندما جاع.
وفي الصّباح تحامل على نفسه ، وذهب إلى دار أخيه ، فتحت له المرأة ، ولما رأت حالته أدخلته ، وأعطته طعاما ،
ثم قالت له : أخبرني ما حدث لك ، وأين زوجتك ؟
فتنهد ، وأجابها : أنا مريض بعدما لاحقتي الغولة في الغابات ، أما زوجتي ، فلم تعد تريدني بعدما أصبحت غير صالح للعمل!
فأشفقت عليه وقالت : لا بأس إشتغل عندنا ، وسأعطيك أجرة ومأوى ، أجابها :هل تفعلي حقا ذلك من أجلي؟
قالت زوجة الأخ : حصل خير ، وقبل كل شيء فنحن جيران ، أليس كذلك ؟
ولما رجع الأخ الصغير من السّوق ، وسمع ما حدث لأخيه إستغفر الله ، وقال أخي طول عمره طمّاع ،
ولم يرحمني ولقد نال جزاءه ، ثم أنشد :
الدّنيا تدور فلا تأمنها
ودار أخوك لا تجاورها
فلو كان في قابيل الخير لما قتل أخاه
ولما بكى المظلوم أباه
وقال إرحمني ربّاه
ثمّ خاطب إمرأته قائلا : سبحان الله قبل أشهر كنت تلتقطين القمح من أرضه لتطعمي أطفالك ،
والآن هو من يخدم عندنا!
لكن أعرف قلبك الطّيب ، فلن تردّي له ما فعله بنا ، وبقيت كما عرفتك أوّل مرّة ،
أمّا أخي فاختار زوجة جشعة ، تحبّ المال ، فرمته كالكلب لمّا مرض ،
ففي النّهاية المروءة والقناعة هما من إنتصرا على اللؤم والجشع ، وهذه عبرة لمن يعتبر.