الأديب السوداني إدريس جمّاع
فقد عقله في آخر أيامه، أدخلوه مشفى المجانين ولم يشفى ، ذهبوا به إلى لندن للعلاج ،
وهناك أعجب بعيون ممرضته ، ﻭﺃﻃﺎﻝ ﺍﻟﻨّﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ.
ﻓﺄﺧﺒﺮﺕ ﻣﺪﻳﺮ المشفى ﺑﺬﻟﻚ ، ﻓﺄﻣﺮﻫﺎ ﺃﻥ ﺗﻠﺒﺲ ﻧﻈﺎﺭﺓً ﺳﻮﺩﺍﺀ ﻓﻔﻌﻠﺖ ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎﺀﺗﻪ ﻧﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ إدريس جماع ﻭﺃﻧﺸﺪ :
وﺍﻟﺴّﻴﻒ في الغمدِ ﻻ تخشى مضاربُه
ﻭﺳﻴﻒُ ﻋﻴﻨﻴﻚِ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﻦ ﺑﺘّﺎﺭُ
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ترجم البيت للمرضة ﺑﻜﺖ ، وصنف هذا البيت أبلغ بيت شعر في الغزل في العصر الحديث.
وقيل أنّ الأديب عبّاس محمود العقّاد لمّا سمع شعره سأل عن صاحبه ، فأجابوه أنّه شاعرٌ سودانيّ مجنون ،
فقال لهم : نعم هو مجنون ، فلا يمكن للعقلاء أن يقولوا مثل هذا الكلام.
وقد ظل جماع برِمًا بحياته ، وكثيرا ما تمنى الرحيل من دجى ليله حين شاهد مصرعه ،
وكره انبعاثه وسط قوم لم يقدروا مواهبه وأحلامه ، وأدرك كم هو سجين عن ارتياد آفاق الحياة الحرة.
ينسب له في ذلك في كثير مما ينسب :
إنّ حظّي كدقيقٍ فوقَ شوكٍ نثروهُ
ثمّ قالوا لحُفاةٍ يومَ ريح إجمعوه.