الاسكافي الجزء الثالث
كان قد دفع الخوف إلى الخادم فاقترب من الاسكافي وهو مضطرب وقال : أرجوك وأستحلفك بالله لا تقل عني شيئا للسلطان ،
لقد خشيت أن أذكر للسلطان أن البطة العرجاء هي التي ابتلعت الخاتم من فوق حافة البركة عندما كان السلطان يغسل يديه في البستان ونسي الخاتم هناك.
وأحس الاسكافي بهزة شديدة تعتريه فقد خدمته شهرته في هذه المرة والتفت إلى الخادم وقال :
لقد عرفت الحقيقة كلها من النجوم ولو لم تعترف لي الآن لأخبرت السلطان بالحقيقة فيقتلك ،
لكن ما دمت قد اعترفت لي فلن أخبر السلطان بشيء ،
وإياك أن تقول لأحد شيئاً عن هذا الموضوع ، وإلا جعلت السلطان يقطع رقبتك.
دخل الاسكافي عند السلطان فوجد حوله كل الوزراء والمنجمين.
قال له السلطان : نريدك أن تعرف أين ذهب خاتمي.
فأشار الاسكافي إلى بقية المنجمين وقال : وكيف يخفي الأمر على كل هؤلاء العباقرة الأذكياء؟
قال السلطان : لقد عجزوا جميعا عن معرفة مكانه وإذا عثرت عليه فلك ألف دينار.
فقال الاسكافي : وأين كنت أيها السلطان عندما ضاع منك الخاتم؟
أجاب السلطان : كنت في بستان القصر.
قال الاسكافي : قم بنا إلى البستان ، فلما دخلوا إلى البستان قال أريد أن يمر أمامي كل من في البستان من إنسان وطير وحيوان ،
وتغامز بقية المنجمين ساخرين لكن السلطان أمر بتنفيذ طلب الاسكافي.
ومر من أمام السلطان وأمام الاسكافي موكب به كل الخدم والغلمان الذين يعملون في البستان ،
ثم الغزلان والأرانب التي تعيش في الحديقة.
ثم مرت أمامهم أنواع الطير من الوز والنعام والطواويس ، ثم جاء دور البط في النهاية.
إقرأ أيضا: الخاتم العجيب الجزء الأول
وعندما مرت أمامهم ، وهز رأسه ورفع ذراعيه إلى أعلى وصاح : امسكوا هذه البطة.
وهنا انطلق بقية المنجمون يضحكون منه ويسخرون ،
وكان السلطان قد اعتاد أن يتسلى بمنظر هذه البطة فكان كلما رآها يضحك على طريقة سيرها.
فقال الاسكافي : هذه البطة أتفاءل بها ولا أسمح لأحد أن يؤذيها ،
وقال إن كنت تريد الخاتم فهو في بطنها.
فقال السلطان : وإن لم نجد في بطنها شيئا
قال الاسكافي : افعل بي ما تشاء.
فأمر السلطان بذبح البطة ، وهو يشعر بالأسف الشديد عليها ويقول لنفسه والله إذا لم نجد بها الخاتم ،
لأقتله في التو والساعة لكنهم وجدوا الخاتم في حوصلتها!
وعندما أخرجوه ورآه السلطان ، جن من الفرح وصاح : والله لا يوجد في الدنيا مثلك إنك تستحق ألفين من الدنانير لا ألفا.
وأخذ الاسكافي الألفين وأسرع إلى بيته وهو يكاد يطير من الفرح وبقية المنجمين يكادون يموتون من الغيظ والحسد.
وما أن وصل إلى بيته حتى أخبر زوجته بما حدث وقال لها :
هيا نذهب إلى بلد بعيد آخر ونكتفي بما أتانا من ذهب ودنانير ،
إنني أخاف أن أتعرض لتجربة ثالثة أذهب معها إلى القبر.
صاحت زوجته في عناد وقالت : والله لا أتحرك من هذا البلد الذي أتانا منه كل هذا الخير.
عاش الاسكافي وزوجته ينفقان بسخاء من الثروة التي هبطت عليهما والمنجمون يحسدونه ولا يجرءون على ايذائه.
لكنهم اجتمعوا يوما وذهبوا إلى السلطان وقالوا له أيها السلطان العظيم كيف تقدم علينا اسكافي إنه جاهل لا يفهم شيئا؟
أجابهم السلطان : لقد عرف ما عجزتم عن معرفته.
قالوا: لقد خدمته الصدفة.
إقرأ أيضا: الاسكافي الجزء الأخير
قال السلطان : إذن أقيم تجربة لأحكم بينكم وبينه ،
سأذهب إلى البستان وأخفي شيئا فإن عرفتموه حكمت لكم وإن غلبكم فلن أسمع منكم كلمة ضده بعد اليوم.
فقالوا : قبلنا حكمك أيها السلطان.
عندئذ قام السلطان ودخل إلى البستان وإذ بأحد العصافير الصغيرة يطارد جرادة ،
فأسرعت الجرادة ودخلت تحت ذيل ملابس السلطان واندفع العصفور فدخل وراءها.
فأسرع السلطان وأمسك الاثنين تحت ملابسه ثم خبأهما بين يديه ، وقال للمنجمين :
من استطاع أن يعرف ما في يدي حكمت بتفوقه على خصمه هيا استدعوا الشيخ المنجم.
أسرع أحد الخدم ليحضر الاسكافي من منزله وقال له : السلطان يطلبك.
دخل الاسكافي إلى زوجته وقد ركبه الهم وقال :
الثالثة هي القاضية هذه المرة سيشنقني السلطان ويأخذ منك الذهب.
قالت زوجته : ثق بالله وتوكل عليه.
ودع الاسكافي زوجته وهو واثق أنه لن يعود إليها سليما في هذه المرة.
يتبع ..