البريئة الجزء الثالث
البريئة الجزء الثالث
قلت ماذا هناك يا أمي ، فردت علي : أم نزار تقول أن هناك عريس لك من معارفهم.
رميت المنشفة من يدي بعصبية وقلت لها لا أريد أن أتزوج يا أمي ، لا أريد.
ردت علي يا ابنتي الزواج ستر للبنت ، فكري في المستقبل ، لا أنا ولا والدك سندوم لك.
قلت لها يا أمي لا يعلم الغيب إلا الله ولا أحد منا خالد فيها ،
يا أمي لما نوجع رؤوسنا بقصص ، هذا العريس سيهرب لمجرد أن يعرف أني مطلقة وعقيم.
صاحت أمي بوجهي : لست عقيم وأم نزار قالت بأنها أخبرته بقصتك ، ولا مانع عنده أصلا هو أرمل وله ولد وبنت.
قلت نعم نعم ، فهمت الأن يا أمي قلتها والدموع تخنقني.
قاطعتني قائلة : لا يذهب عقلك بعيدا الرجل في بداية الأربعين من العمر ، ليس عجوزا كما تخيلتي.
بعد يومين زارتنا أم نزار رفقة الجماعة ، وأنا في غرفتي جلست أنظر إلى الفساتين التي وضعتها أمي على سريري لاختار منها واحدا أدخل به على الضيوف.
تذكرت هذا الموقف من خمس سنوات مضت ، عندما زارنا حامد وأمه خالتي الطيبة ،
انتابني شعور بالتقزز وأنا أتخيل نفسي مرة أخرى أدخل على الضيوف ليعاينوا البضاعة ،
ثم يقررون هل سيشترون أم ينصرفوا عنها لبضاعة أخرى.
تسائلت مع نفسي لما تتعب الفتاة نفسها وتتزين لرجل ما دام الأمر سينتهي بها خادمة في بيته ،
وجارية يشبع بجسدها رغبته ليلا ، حتى دون أن ينظر إليها؟
حسمت الأمر وقررت ألا أعيد الكرة ، عقيم مطلقة لكني إنسان يحق له اتخاذ قراراته ،
وأن يحفظ كرامته لن أسمح لأحد أن يهينني مرة أخرى.
أخرجت عباءة سوداء فضفاضة من الخزانة لبستها ووضعت حجابا رماديا من القطن ،
ثم جلست أنتظر اذن أمي لي بالدخول على الجماعة.
إقرأ أيضا: قاتلة الرجال
كاد يغمى عليها عندما رأتني ضربت على فخديها بيديها وقالت : أتريدي أن تفضحينا؟ أهكذا ستقابلين الرجل الذي جاء لخطبتك؟
قلت لها بل جاء ليعقد صفقة في سوق النخاسة.
نظرت إلي في استغراب وقالت : سوق نخاسة الله يسامحك يا بنتي على العموم هذا ليس وقت النقاش غيري ملابسك وادخلي على الجماعة ،
وفيما بعد نتحدث ، لن نجبرك على شيء لا تريدينه.
فقط الله يستر عليك لا تفضحينا أمام أم نزار والجماعة.
شعرت بشيء من الذنب اتجاه والدتي ، فقمت ولبست فستانا طويلا بسيطا باللون الأزرق البحري ،
وضعت كحلة خفيفة وحجابا ، ثم دخلت على الضيوف.
قطع دخولي عليهم حديثهم وتحولت أنظارهم إلي.
أحسست بالعرق يتصبب مني خجلا ، قامت أم نزار من مكانها وهي تقول أهلا بعروستنا ، أمسكت بيدي وأجلستني بجانبها.
عندما رفعت رأسي كان سمير أمامي مباشرة ينظر إلي وعلى وجهه ابتسامة ، أدركت حينها أن تصرف أم نزار كان مقصودا.
كنت أسترق النظر من حين لآخر الى سمير ، وأحيانا تتقابل نظراتنا ، فيبتسم لي غير آبه بالعيون التي تراقبنا.
جاهدت نفسي كي لا أنظر إليه ، لكن وسامته كانت تغري عيوني ، كيف لي أن أتجاهل ذاك اللمعان في عيونه العسلية؟
شعره الناعم وابتسامته التي كانت تضيء سمار بشرته فتسحر الناظر ولا يملك إلا أن يقول سبحان إبداع الخالق فيما خلق ،
شتان بين عبوس حامد وابتسامة سمير التي أسرت قلبي من أول نظرة.
دخلت في صراع مع نفسي الوسامة ليست كل شيء ، ماذا لو كان كل الرجال على شاكلة حامد ماذا؟
لا يمكنني أن أتحمل لقب مطلقة للمرة الثانية لا! لا! لن أتزوج لا لن أفعل.
إقرأ أيضا: البريئة الجزء الرابع
دون أن أدرك وجدت نفسي أفكر في سمير نظرته وابتسامته لا تفارقاني ، صوته يرن في أذني كمعزوفة رومانسية.
أما أمي فلا حديث لها إلا عنه ، أخبرتني عشرات المرات عن الحادث الذي فقد فيه زوجته.
عن موت والديه وهو في الخامسة من العمر ، وكيف اعتنت به أخته الوحيدة عفاف ،
عن أبنائه صفاء ذات الثانية عشر ربيعا وأحمد الذي بلغ منذ شهر السادسة من عمره.
كنت أستمع إليها دون أن انبس ببنت شفة.
اتخذت قراري سأتزوج سمير وأتحمل هذه المرة مسؤوليتي بنفسي ،
لن يتذمر من عقمي هو أب ولا أظنه متعطشا للمزيد وإلا ما كان اختارني أنا دون غيري ، سأعتني بصفاء وأحمد وكأنهم أبنائي.
قطعت أمي حبل أفكاري عندما دخلت علي فجأة وطلبت أن تتحدث.
كنت أعرف ما تريد لكني تركتها تفتح الموضوع بطريقتها.
قالت : يا ابنتي تأخرنا بالرد على الجماعة وأم نزار أخبرتني أن سمير اتصل بها أكثر من مرة ،
أمسكت بيدها ووضعتها على صدري وقلت لها : أنا موافقة يا أمي.
لم تتمالك المسكينة نفسها فحضنتني بقوة وهي تردد الله يسعدك يا بنتي.
وكأنها تذكرت شيئا قامت مسرعة باتجاه الهاتف ألو ألو ، أم نزار وافقت وافقت.