التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الثاني
فسأله أب الفتاة : ما نسبكَ؟ أجاب التاجر أنا بهاء الدين من أعيان البصرة وعائلتي ذات علم وأدب ، قال له : هل تعرف الشعر؟
أجاب التاجر : نعم! قال له : أنشدني شيئا منه! فأنشده أشعارا لطرفة بن العبد ، والبحترى ، وأبو تمّام ،
وأعجب الرجل بأدبه ولنبسط منه ، ثم سأله ما هي حرفتك أجابه أنا تاجر ولي من الدكاكين ما هو في الزقاق الفلاني والفلاني.
أدرك أبو الفتاة أنّ التاجر بهاء الدين أكثر منه مالا وعقارات رغم أنه غريب لم يمر على وجوده بينهم إلا بضعة سنوات ،
واحترمه على عزمه وحسن تدبيره.
ثم قال له : سأسألك الآن عن إبنك كيف يكسب عيشه.
إستغرب التاجر بهاء الدين وقال : إنّه إبني ووريثي.
أجاب عبد الرحمن : لا يكفي أن يكون إبنك ، فكما يقول المثل : تنتهي أموال الأجداد وّلا تبقى إلاّ صناعة الأيادي ، ألم يتعلّم صنعة؟
الحدادة مثلا أو الحياكة؟
ردّ التاجر : لا ، لم أعلّمه أيّ صنعة لأنه وريثي بعد مماتي.
قال عبد الرحمن مستدركا : لكنّه قد لا يحسن التصرّف في رزقك ، ويفنى ماله ، فأضطرّ أنا لرعايته هو وزوجته وأبناءه.
أحسّ التاجر بالإنزعاج من كلام الرجل وقال : لا يُعقل أن نتنبّأ بالإفلاس والهموم والمصائب ،
إن فكّر الجميع بهذه الكيفية فلن يتزوّج أحد بعد الآن وسيُبقي كلّ شخص إبنته في بيته ، هذا لا يُعقل.
نظر إليه عبد الرحمن وقال : تعلّمت أن لا أثق في الدّهر.
لأزوّجه إبنتي يجب عليكَ أن تهب له كلّ رزقك ، هذا شرطي ، وأنت حرّ في إختيارك!
تعجّب التّاجر من هذا الشّرط ، وتساءل : كلّ رزقي؟ لماذا؟
ولكّني كنت سأفعل من أجله ما يفعل جميع الآباء ، أوفّر له رأس مال ، وأفتح له دكّانا ، وابتاع له منزلا وأؤثثه له ولزوجته ،
لكن الشّيخ عبد الرحمن أصرّ على رأيه ، وقال : لا!
إقرأ أيضا: التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الثالث
عليك أن تعطيه كلّ ما تملك ، لتعلم أن إبنتي عاشت في عز ودلال في بيتي ،
لا أريد أن ينقصها شيء عندما تتزوج من إبنك ، هل تفهم هذا يا سيد بهاء الدّين؟
فكّر التاجر قليلا ثمّ قال : ” لن أخسر شيئا ، إن كانت أرزاقي عندي أو عند إبني فهذا لن يغيّر شيئا ،
إنّي سأترك له كل أملاكي بعد موتي في كل الأحوال ، لن أخذل إبني.
وكتب له كلّ أرزاقه ، وأسكنه في بيته ، ولم يبقي لنفسه شيئا.
وكما يقول المثل “من يهب رزقه في حياته لن يغيثه أحد”.
ولأنّ العروس كانت بنت كبار الناس وبين قومها ، بينما كان زوجها غريبا ، فإنها تكبّرت عليه ،
ظنّا منها أنّها أحسن نسبا منه ، كانت تتحكّم في كلّ تصرّفاته ، وهو لا يعارضها في شيء لأنه يعشقها ويهواها ،
أمّا حماها فقد كانت تستخف به وتقلل من شأنه ، وسرعان ما بدأت تضجر منه وتتضايق ،
فبعد أن كانت تجمعهما نفس المائدة ، أصبحت تعايره بعدم إتقانه لآداب الطعام ،
وقالت أنه يسدّ عليها شهيّة الأكل ، فوضعوه وحيدا ، وكل مرّة ينقلونه من غرفة إلى أخرى ، وهو صابر على ذلك.
وفي النّهاية لم يعودوا يطيقون رؤيته ، فرموه في الإسطبل مع البغال والحمير ، وصار الخدم ينقلون طعام الشّيخ إلى ذلك المكان.
يتبع ..