التدين الشكلي
سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رجل ما إذا كان أحد الحاضرين يعرفه ، فقام رجل وقال : أنا أعرفه يا أمير المؤمنين.
فقال عمر : لعلك جاره ، فالجار أعلم الناس بأخلاق جيرانه؟
فقال الرجل : لا
فَقال عمر : لعلك صاحبته في سفر ، فالأسفار مكاشفة للطباع؟
فقال الرجل : لا
فقال عمر : لعلك تاجرت معه فعاملته بالدّرهمِ والدّينارِ ، فالدرهم والدينار يكشفان معادن الرجال؟
فَقال الرجل : لا
فقال عمر : للعلك رأيته في المسجد يهز رأسه قائما وقاعدا؟
فقال الرجل : أجل
فَقال عمر : إجلس فإنك لا تعرفه!
كان ابن الخطاب يعرف أن المرء من الممكن أن يخلع دينه على عتبة المسجد ،
ثم ينتعل حذاءه ويخرج للدنيا مسعورا يأكل مال هذا وينهش عرض ذاك!
كان يعرف أن اللحى من الممكن أن تصبح متاريس يختبىء خلفها لصوص كثر!
وأن العباءة السوداء ليس بالضرورة تحتها إمرأة فاضلة!
كان يعرف أن السواك قد يغدو مسنا نشحذ فيه أسناننا ونأكل لحوم بعض!
كان يعرف أن الصلاة من الممكن أن تصبح مظهرا أنيقا لمحتال ،
وأن الحج من الممكن أن يصبح عباءه إجتماعية مرموقة لوضيع!
كان يؤمن أن التدين الذي لا يعكس أثرا في السلوك هو تدين أجوف!
إندونيسيا لم يفتحها المحاربون بسيوفهم وإنما فتحها التجار المسلمون بأخلاقهم وأماناتهم!
فلم يكونوا يبيعون بضائعهم بدينهم ، لهذا أعجب الناس بهم وقالوا : يا له من دين!
التعامل مع الآخرين هو محك التدين الصحيح.
إقرأ أيضا: من هو ذي البجادين؟
إذا لم يلحظ الناس الفرق بين التاجر المتدين والتاجر غير المتدين فما فائدة التدين إذا!
وإذا لم تلحظ الزوجه الفرق بين الزوج المتدين والزوج غير المتدين فما قيمة هذا التدين ، والعكس بالعكس!
وإذا لم يلاحظ الأباء الفرق بين بر الولد المتدين وغير المتدين فلماذا هذا التدين؟!
مصيبة أن لا يكون لنا من حجِّنا إلا التمر ، وماء زمزم ، وسجاجيد الصلاةِ المصنوعة في الصين!
مصيبة أن تكون الصلوات حركات سويدية تستفيد منها العضلات والمفاصل ولا يستفيد منها القلب!
مظاهر التدين أمر محمود ، ونحن نعتز بديننا شكلاً ومضمونا ،
ولكن العيب أن نتمسكَ بالشكلِ ونترك المضمون.
فالدين الذي حوَّل رُعاة الغنمِ إلى قادة للأمم لم تغير أشكالهم وإنما غيروا مضامينهم.
أبو جهل كان يلبس ذات العباءة والعمامة التي كان يلبسها أبو بكر!
ولحية أمية ابن خلف كانت طويلة كلحية عبد الله بن مسعود!
وسيف عتبة كان من نفس المعدن الذي كان منه سيف خالد!
تشابهت الأشكال واختلفت المضامين ،
هذا هو الإسلام يا سادة.