الحب الأعمى
الحب الأعمى
كانت تصفُ له نفسها بأوصاف جميلة لم تُرد أن تكسر قلب زوجها الأعمى كان في كل مرة يسألها كيف هي ملامحك؟
تجيب والألم يعتصر قلبها فهي لا تستطيع أن تصف سواد وجهها ولا قُبح ملامحها ليست لأنها عديمة الثقة في نفسها
ولكنها كانت تحبه لدرجة أنها كانت مستعدة أن تُجمّل كل شيء حتى لو اضطرت لتزوير الحقائق
فقط ليكون زوجها سعيدا ويتخيلها في أجمل صورة.
زوجها الذي فقد بصره في سن ٢٥ إثر حادث سير أليم فقد فيه نور عينيه ووالديه ولم يكن له معيل إلا عمه الوحيد
فقرر تزويجه فبدأ يبحث له عن زوجة ترضى بحال هذا الشاب الأعمى المقعد الذي يحتاج لأشهر من إعادة التأهيل
ليمشي على قدميه ولكن دون أمل في أن يستعيد بصره.
كانت رحلة بحث طويلة حتى وجد من تقبل هذا الزواج الشاق كان يريد التخلص من هذا العبء الذي أثقل كاهله فالعم لديه أطفال وزوجة بحاجة إلى رعاية.
وكانت الفتاة على الرغم من قبح ملامحها وسواد وجهها طيبة القلب نقية الروح تسعد الآخرين دون مقابل
كانت قد بلغت ربيعها ٣٥ ولم يتقدم أحد لخطبتها كانت يائسة من الزواج لأنها تعلم أن المجتمع يقوم على الظاهر
وفي نفس الوقت كانت شديدة الثقة بنفسها لا يعكر شيء صفو حياتها.
عندما سمعت بخبر هذا الخاطب من والدها وافقت دون تردد ليس خوفاً من لقب عانس ،
ولكن وجدت فيه الخير الذي ستنال به رضا ربها وتأملت التوفيق والبركة في زواجها لصدق نيتها.
تم الزواج ومرت الأشهر وهي تعامل زوجها بكل صدق وحب حتى تحسنت حالته النفسية.
إقرأ أيضا: خطيبتي تجادلني دائمًا لذا لا أريد الاستمرار
وبدأ يتعافى من آثار الحادث المؤلمة النفسية منها والجسدية ،
بعد ستة أشهر بدأ المشي على قدميه بمساعدة زوجته ثم مع الوقت أصبح قادرا على المشي بمفرده.
في أحد الأيام بعد سنوات من الزواج كانت راضية تتصفح الجريدة الصباحية فرأت إعلانا عن زيارة أحد أشهر أطباء العيون المدينة ،
والذي شفيت على يديه الكثير من الحالات المستعصية فخطر ببالها أن تأخذ زوجها أحمد ليكشف عليه الطبيب الزائر ،
فعرضت عليه الفكرة بعد وجبة الغذاء ، إلا أنه قابل طلبها بنفور وغضب كان يائسا تماما من استعادة بصره
فعيناه قد الفت الظلمة لسنوات حتى أصبحت جزءا من حياته ،
كان يتمنى أن يستعيد بصره وفي ذات الوقت كان مكتفيا بحنان واهتمام زوجته كان هذا بالنسبة له عوضا كافيا عن فقدان بصره.
بعد عدة محاولات لراضية لإقناع زوجها وافق على مضض فقط ليوقف إلحاح زوجته.
حان موعد الزيارة دخل أحمد حجرة الكشف وشرع الطبيب في فحص أحمد بدقة وتركيز بعدها جاء الرد
الطبيب: يبدو أنه هناك أمل بسيط جدا في استعادتك لبصرك
الخبر الجيد أن العملية قد تعيد إليك بصرك واحتمال نجاحها ٢٠٪ نظرا لدقتها وحساسيتها ،
والخبر السيء أنه إذا فشلت العملية عليك أن تتعايش مع واقع أنك لن تبصر أبدا.
وقع احمد وزوجته على الموافقة وحدد موعد العملية ،
إنه اليوم المنتظر أدخل أحمد إلى حجرة العمليات وبدأ الإجراء الجراحي أخبرهم الطبيب أن العملية ستدوم ٦ساعات
كانت ست ساعات في غاية الألم بالنسبة لراضية فيها صراع بين الترقب والخوف كانت راضية خائفة من كلتا النتيجتين ،
فإن نجحت العملية فسيرى زوجها قبح زوجته وسيعلم أنها كانت تكذب وقد يكرهها بسبب ظاهرها ،
وإن فشلت العملية فخشيت على زوجها أن يعود لحزنه السابق وتنهار أحواله النفسية إنه مزيج مرعب بين الترقب والخوف.
مضت الست ساعات وخرج الطبيب من حجرة العمليات فتوجهت راضية مسرعة إليه
راضية: دكتور كيف جرت العملية هل أحمد بخير
الطبيب : اطمئني زوجك بخير والعملية تمت دون مضاعفات لكن لا نستطيع أن نحكم على النتيجة حتى نزيل الضمادات غدا
أحمد وراضية في الحجرة قبل موعد نزع الضمادات.
إقرأ أيضا: في إحدى المدارس حلت معلمة ﻣﻜﺎﻥ معلمة أﺧﺮى ﻗﺪ ﻏﺎﺩﺭت بإجازة
أحمد: راضية أكثر ما سيسعدني لو نجحت العملية هو رؤيتك وتأملك كم أنا متشوق إلى ذلك.
راضية والدموع تملأ عينيها والخوف يملأ قلبها: أتمنى ألا يخيب ظنك
أحمد : ولما سيخيب ظني ألستي كما وصفتي نفسك؟
راضية : أحمد قد أتى الطبيب سأغادر الآن
قام الطبيب بنزع الضمادات تدريجيا ومع التفاف الضماد ،
كانت نبضات احمد تتسارع مع كل التفاف حتى سقط الضماد
الطبيب : أحمد أفتح عينيك الأن لا تخف
بدأ أحمد يفتح عينيه تدريجيا كانت أصعب اللحظات في حياته.
أحمد ودموع الفرح والصدمة تملأ عينيه : ماهذا يا إلهي أنا أرى! لا اصدق.
قام وامسك الطبيب من معصمه بقوة
هل حقا أنا أرى أيها الطبيب
أين هي راضية مالي لا اراها!؟
كانت راضية واقفة بالخارج تبكي بحرقة كانت مترددة في الدخول يملأها الخوف ،
كانت تستمع إلى صرخات فرح زوجها ويتملكها مزيج ساحر من الفرح والخوف سعادة عارمة باستعادة زوجها لبصره وحزن مؤلم لمواجهته.
أحمد كرر السؤال: أيها الطبيب أين زوجتي!
الطبيب: أحمد اهدأ ، اجلس وستأتي زوجتك حالا.
خرج الطبيب فوجد راضية تبكي بالخارج
الطبيب : لماذا خرجتي من الغرفة؟
كان من المفترض أن تكوني أول من يشارك زوجك هذه اللحظات.
راضية: أيها الطبيب كنت طيلة سنوات من زواجنا أصور له نفسي بأجمل صورة حتى رسمت صورة راسخة في مخيلته صورة جميلة ورائعة.
كان دائماً يردد أن اوصافي كالملاك
كيف تريد مني أن اواجهه الآن؟
إقرأ أيضا: رسائل حب و حرب
الطبيب : كلامك قد أثر في نفسي فعلا لدرجة أني لا أعلم ماذا سأقول لكن عليك مواجهة الأمر في كل الأحوال ،
فالهروب لا يجدي هيا ادخلي واسعدي قلب زوجك وتأكدي أنه لو كان يحبك فعلا فآخر ما سيفكر فيه هو مظهرك.
دخلت راضية بخطى ثقيلة والطبيب يؤازها ويشجعها ،
وقف أحمد منتصبا بنظرات فيها خليط من الدهشة والتعجب.
الطبيب : سأترككما الآن عن اذنكما.
الطبيب يعلم أن هذه اللحظة في منتهى الخصوصية فخرج فورا وكله أمل أن تسير الأمور على خير ما يرام.
تقدم أحمد بخطى بطيئة إلى زوجته حتى أصبح قريبا جدا منها وهو يتأمل وجهها.
فالتفتت راضية ونكست رأسها وهي تبكي.
راضية: أقل بكثير من المتوقع أليس كذلك؟
حضنها أحمد بكل حُب وهو يبكي ومسح دموعها.
أحمد: كنت اعلم منذ البداية أنك لا تقولين الحقيقة ومع ذلك كنت سعيدا معكِ
راضية بتعجب! كيف؟
عندما كنت نائمة كنت أتحسس ملامحك
وذات مرة عندما كنا نسير معا في الشارع ،
سمعت أحد الأطفال يذُم سواد بشرتك ولكن كل هذا لا يهمني.
كيف يهمني وقد احتويتني عندما تخلى عني الجميع حتى نظري الذي هو جزء مني خذلني ،
كنتِ بصري ومؤنسة وحدتي ورفيقتي في ظلمتي لولا وجودك لظللت أسير سوادين
سواد النظر وسواد النفس
فكيف بعد كل هذا الذي قدمتيه لي أن أكرهك فقط لأنك خلقتي هكذا؟
قد أبْصَركِ قلبي قبل أن تراك عيني.