الحب الإلكتروني الجزء الرابع
ما إن استيقظتُ في اليوم التالي حتى قال لي حكيم : من الآخر ، إن كنتِ تريدين الطلاق ، أخبري أبيكِ ،
فإن وافقَ على طلاقكِ ، عليه أن يتكلَّف بمصاريف عودتك لوطنك ، فأنا لست مجبراً على دفع شيء ،
يكفيني النقود التي دفعتها لإحضارك.
أومأتُ رأسي بالموافقة دون النطق بكلمة واحدة ، وأنا أقول في قرارة نفسي :
من المؤكد أن أبي لن يرضى أن أحيا باقي حياتي بحزن.
تكلمتُ معه بتسجيلات صوتية قبل عودة حكيم ، فانفجرَ غاضباً بوجهي :
لو كان معي ثمن تذكرة سفر ، كنا أتينا أنا وأمي لرؤية أخي كل تلك السنوات الفائتة ، وحتى لو كنتُ أملك مصاريف عودتكِ ،
لن أدفع لكِ شيئاً ، فلستُ أنا الذي يُقالُ عن ابنته مُطلَّقة ، وسأتحدث معه لأمنعه من التهور وتطليقكِ كي لا تجلبينَ لنا العار ،
ثم عندما قبلتي الزواج به كنتِ بالغة راشدة ، وهذا قراركِ ولم يجبركِ أحد عليه ، لذلكَ عليكِ تحمل نتيجة قراراتكِ.
كان كلامه كالسكين مزَّقَ قلبي ، فجلستُ والدموع تنهمر من عينيَّ وأنا أقول :
لقد جنيتُ على نفسي من اختياري الخاطئ وغبائي ، لقد كُتِبَ عليَّ الموت وأنا على قيد الحياة.
أخبرتُ زوجة عمي بما قال أبي فقالت لي : يا ابنتي ، بعض السيدات وقبل أن يِكمِلنَ السنة الأولى على زواجهنّ ،
يشعرْنَ أنهن يرغبن بالطلاق كي يَعُدنَ لحياتهن التي كُنَّ يَعِشْنَها قبل الزواج ،
لكن صدقيني بعد مرور وقت على زواجك ستعتادين وتنتزعي فكرة الطلاق من رأسكِ.
كيفَ سأحيا مع رجل لا أحبه ، كيف سأعتاد على الحزن؟
فابتسمت قائلة : الإعتياد سيجعلك تنسين الحزن ، ومع مرور الوقت لن تتذكري الحب بل ستتذكرين سنين العِشرَة.
إقرأ أيضا: اسمي خالد أبلغ من العمر سبع وعشرين سنة
عاد حكيم وابتسامة ماكرة تعلو وجهه ، ثم قال لي : هل تحدَّثْتِ مع والدِكِ؟!
شعرتُ من خلال ملامح وجهه وطريقة سؤاله ، أنه قد تحدَّث مع أبي قبلي ، فقلت بضيق لم أستطع إلجامه :
نعم ، تحدَّثت وحتى لو قام برفض الطلاق أنا مُصِرَّةٌ عليه ،
لذلكَ من الآن فصاعداً سينام كل واحد منا في غرفة لحين اقتناعكَ بفكرة الطلاق.
فصرخَ بوجهي قائلاً : لن تنامي منفصلة عني ، وسأقومُ بكسر رأسكِ إن لم تغيّري رأيكِ وتنصاعين لرغباتي.
سمعت أمه الصراخ فأتت من غرفتها ، وقبل أن تفتح فمها قال لها : كلَّمَتْ أباها ولا تزال تريد الطلاق ،
من المحتمل أنها قامت بالتعرف على شاب في وطنها ، وارتكبتَ معه الفاحشة ، وقررت أن تتزوجني فقط لتستر على نفسها.
فصَفَعَته أمه بكل قوتها قائلة : لعنة الله عليكَ ، فقبل أن تكونَ زوجتكَ هي ابنة عمك ، إنها شرفك أيها المثقفُ الخلوق ،
لا تتفوه بأي كلمة وأنتَ غاضب ، فالكلمات عند الغضب تكون جارحة.
ثم التَفَتت لي قائلة : زاهر على وشك الوصول ، لن ينفع أن تنامي بغرفته ولا حتى بالصالة ،
وأنا لستُ معتادة أن ينم أحد بجانبي سوى المرحوم زوجي ، لذلكَ ليسَ أمامكِ حل سوى النوم على الأرض بغرفتكما ،
وحكيم سينام على السرير ولن يقتربَ منكِ على الإطلاق.
ثم قالت له : دعها تهدأ نفسياً ، ثم سنتحدث جميعنا.
عاد زاهر إلى المنزل ، فنسيتُ كل الحزن الذي شعرتُ به ، ثم دخلتُ كي أحاول النوم ، وتمسَّكْتُ برأيي أكثر للحصول على الطلاق.
عندما دخل حكيم لكي ينام حاول الإقتراب مني باعتقاده أني قد نمت ولن أشعر به ،
لكني كنتُ مستيقظة فدفعته لإبعاده عني مما جعله ينهال عليَّ بالضرب ،
وبسبب صراخي اقتحمَتْ زوجة عمي الغرفة لإبعاده عني ، وناداه زاهر للخروج من الغرفة.
قامت أمه بسحبه خارجاً فأمسكه زاهر من يده قائلا : تعال نتحدث في الصالة.
إقرأ أيضا: ليس كل الآباء آباءا
ثم احتَضَنَتني زوجة عمي قائلة : لا تبكي ، تعالي لنعدَّ أطباق الموالح والشاي.
خرجتُ معها فسمعتُ زاهر يقول له : يا بني ، أعطها مساحة لتهدأ ، لا تقترب منها ، انسَ أنها زوجتك ،
فعندما تغضب المرأة لدرجة أنها تدفعكَ كي لا تقترب منها ، هذا يفرضُ عليكَ أن تدعها أياماً لترتاح ،
ثم لا تنسى أنك بوجهها طوال اليوم ، ولا تذهب لعملك سوى ثماني ساعات ،
يا أخي لماذا لا تغب عن المنزل قليلا ، دعها تشتاق لك ، لا تكلمها حتى ، اتبع هذا الأسلوب فربما تراها بعد ذلك تأتي طواعية منها إليك.
بعدَ أن سمعتُ كلامه قلت في قرارة نفسي :
الصغير ينصح الكبير ، يا إلهي تزوجته مثقفاً قارئاً للكتب ،
باعتقادي أنَّ عقله كبير ، ويحسن التصرف ، لكني أيقنتُ وبعد فوات الأوان أنَّ الرجل العاقل لا يقاس بسنين عمره ،
ولا بعدد الكتب التي قرأها ، فالذي وُلِدَ مشوَّه التفكير ، لن يُجمِّلَ تفكيره شيء.
بعد أن تناولنا الموالح والشاي جميعاً ، ونحن نشاهدُ مسرحيةً مضحكة دون أن نتكلم بشيء ، خلدنا إلى النوم.
توالَت المشاكل حيث أنَّ حكيم لم ينفِّذ حرفاً مما قاله زاهر ، بل استمرَّ بمضايقتي أكثر ، مما جعل نفوري منه يزداد.
مضَتْ بضعة أيام دون أي مشاكل ، وكلي أمل بأنه بدأ يقتنع بفكرة الطلاق ، إلى أن عاود التقرب مني فقلت له بضيقٍ لم أستطع إلجامه :
-أينَ كرامتكَ عندما تقول لك زوجتك لا أحبك ولن أحبك في حياتي ، وتصر على الإستمرار بزواجكَ منها!
فردَّ بابتسامة صفراء : رأيكِ ورغبتكِ لا يهمانني ، طالما أني أريدكِ فلن تحصلي على الطلاق حتى بأحلامكِ.
كانت تلك الجملة كالصاعقة ضربت رأسي ، فلم أعي بأنه شخص أناني إلا في تلك اللحظة.
وبعدَ مضِي ثلاثة أيام ، وعند خلودنا للنوم ، قال لي :
أنتِ زوجتي ، وستبقينَ كذلكَ حتى موتكِ ، كوني مطيعة وأعطيني حقوقك ،
كي أحضر لكِ طلباتكِ ، وإلا حرمتكِ من أتفه الأشياء.
إقرأ أيضا: اكتشف أن زوجته ليست عذراء ففعل ما لا يخطر على بال
فصرختُ قائلة : طلقني يا عديم الكرامة.
قام بصفعي ، فقمتُ بضربه ، فانهال عليَّ ضرباً ، لكني لم أستسلم له وحاولت ردَّ ضرباته قدر الإمكان ،
مما جعل زوجة عمي تقتحم الغرفة بسبب صراخي.
ابتعد عني في اللحظة التي صرخت أمه بها ، وقالت له
طلقها ، فإمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان ، وأنا لا ينقصني أوجاع ، لأني على فراق والدك أموت كل يوم.
فقال : لا أملك نقوداً للزواج مرة أخرى ، ثم عمي لم يوافق على دفع مصاريف عودتها لوطنها ، وأنا لا أملكُ نقوداً لإعادتها.
اخرج أنتَ ونم في غرفة زاهر ، وفي الغد سأطلب من أختك أن تتحدث مع والدها كي ينقذنا من تفاقم المشاكل.
في اليوم التالي بعد أن طلبت زوجة عمي من زهرة أن تتحدث مع أبي ، اتصلت زهرة في غياب حكيم وقالت :
يا أماه ، عمي رافض البتَّة فكرة طلاق ابنته ، وقد قال لو رأيتموها تموت أمامكم راجيةً الطلاق ، لا تسمحوا لحكيم بتطليقها ،
وأنا أسمح له أن يضربها كلما طلبَت الطلاق.
كادت أن تتمزق جفوني من هول الصدمة ، فقلت في قرارة نفسي :
هذا رد أبي الذي طالما أحببته أكثر من أمي ، أبي الذي كنتُ أعتقد أنه يحبني ويخاف عليَّ من أي شيء.
فقاطَعَت زوجة عمي أفكاري ثم قالت : يا ابنتي ، عليكِ أن ترضي بالأمر الواقع فحكيم به شيء من البخل ،
ولن يدفع أيَّ نقود لعودتكِ لوطنك ، حتى لو بقي في مشاكل معكِ لآخر عمره ،
يا ابنتي أنا أمه وقد عانيتُ من بخله حتى في مصاريف المنزل.
حيث أنه عندما مرض أبيه بالقلب وأصيبَت قدمه إصابة بالغة جعلَته عاجزاً عن العمل ،
أصبحت مصاريف المنزل كاملة ملقاةً على عاتقه ، ولأنه كان يدرس في الجامعة بنظام التعليم المفتوح ،
كان يبخل علينا في المصروف ، كي يدَّخر لدراسته مما جعل زاهر يترك الدراسة في الجامعة ،
إقرأ أيضا: في الليل سمع أقدام تتحرك خارج غرفته
على الرغم من أنَّ تعليمه الجامعي منتظم ولا يحتاج مصاريفاً كدراسة زوجكِ ،
وكل ذلك فقط كي يعمل ويصرف عليَّ وعلى والده ، ولا يجعلنا نذوق ذل الطلب من حكيم.
حينها قلت في قرارة نفسي : يا إلهي ! حتى مع والديه ؟! من لم يكن رحيماً مع أمه استحالة أن يكون رحيم معي ،
يا الله ما هو الذنب الذي اقترفته حتى يكون حكيم من نصيبي ،
وبكل الصفات الجيدة التي يملكها زاهر سيكون من نصيب فتاةٍ ما ، آه لو كان نصيبي.
شعرتُ حينها أنَّ قلبي يتمزق من الألم ، وأدركتُ كم كان شعوري بالضيق منه صائباً عندما رأيته على أرض الواقع ،
فالشخص السيء مهما حاول أن يُجَمِّلَ أخلاقه ، سيفضح الله حقيقته عندما يجعل كل من يراه أو يجلس معه يشعر بالنفور منه حتى لو تكلم كلاماً من ذهب.
قاومتُ لأيام معاملة حكيم السيئة ، عدا عن ضربه لي على الرغم من صراخ أمه عليه ومحاولات زاهر إقناعه بتغيير معاملته معي ،
وأخته التي أصبحت تقول له : ارحم أمك من المشاكل ، ونفذّ طلب جنى للطلاق ،
وسيعوضك الله بالنقود التي دفعتها لإحضارها من بلدها ويرزقك نقوداً للزواج مرة أخرى.
لكنه كان يصر على رأيه قائلاً : إن وافق عمي على طلاقها ودفع مصاريف عودتها ، سأطلقها.
لم يتوقف أبي عن تهديداته بأني لو عدت لوطني مطلقة ، سيحبسني في المنزل ولن يسمح لي برؤية الشارع ،
مع معاملتي بطريقة مهينة ومذلة ، غير أنه سيقوم بتزويجي لأول شخص سيتقدم لي حتى لو كان عجوزاً مسنا.
لم أجد أحداً يستطيع إقناع أبي بطلاقي سوى عمتي وجدتي اللتين اكتشفْتُ أنهما هما اللتان تحرضان أبي على الإستمرار برفض طلاقي ،
مما جعلني أنقم عليهم جميعاً وأقسم أني لن أتكلم معهم ما حييت.