الحب في الطب
زوجتي تدرس علوم الطب والجراحة ، فِي المرحلة السريرية (Clinical : أي المرحلة العملية).
مضى على زواجنا أربعة أشهر ، في بادئ الأمر كانت رافضة لفكرة الزواج الآن ، بحجة أن هذا يتعارض مع دِراستِهَا ،
قُلتُ لَهَا جُملةً جعلتها تبكي وتُغيّر تفكيرها :
عندما طلبتُ يدكِ ليس لأجعلهَا ضعيفةً إِنَّمَا أردّتُ أن أُنْبِت عَلَيهَا ريشًا يُحلقُ بكِ إلى الثُرّيَا.
لم يُكنْ الأمر سهلًا البتة ، كان عليّ أن ألتزم بِكُلِّ شَيْءٍ يَخُصهَا ، كُنتُ دائمًا أستيقظُ قبلها ،
أجهزُ لَهَا كُلّ ما يخصها ، لأَنَّهَا دائمًا ما تكون مُتعبة من الدراسة.
الفترة الأشدّ سوادًا ، كُنت أبغضها أكثر منها ، فترة الإمتحانات ، دائمًا ما تجعلهَا تبكي ،
وأُلقي بالشتائم على الإمتحانات ، وأقول لَهَا لو رأوْا دموعكِ لتمّ إلغاء ما يُسمى إمتحانات.
جاءتني بكتابٍ للطب الباطن (Internal Medicine ) ، تبذلُ جهدًا في حمله ، يُسمى(Davidson’s Medicine) ،
بصوت أقرب للبكاء قالت لي : سأمتحن في كُلِّ هذا بعد شهر فقط.
قلت لَهَا ما زال لدينا الوقت ، هيّا سندرسهُ معا ، سأجعلك تشرحين لي وأردد معك ما تريدين حفظه ،
هذا سيُسهل عَلَيْكِ كثيرًا.
إبتسمت وقالت لي : فكرة رائعة ، هَيّا لننفذهَا.
البداية كانت رائعة جِدًّا. ؛ لكنني لم أستطع أَنْ أصمد كثيرًا ، فأبحرتُ بعيدًا في جمالِ عينيهَا ،
فجأة إذا بالكتابِ الضخم على رأسي ، أذهب إلى الغرفة ، لا أريدك أنتقرأ معي ، فأنت تُشتت تركيزي بنظراتِك تلك.
نهضتُ مِن عِندها بضحكةٍ أُخفي بِهَا الصُداع الحاد ، بعد ساعتين أوتار حبالها الصوتية عزفت باسمي ،
قبل أَنْ تُكمل العزف وجدتني أمامها ، قالت لي : استلقي هُنّا وأشارت إلى السرير ،
أريد أَنْ أُجري عليك بعض المهارات العملية للجهاز القلبي الوعائي ، أكشف صدركَ ، سأعتبر نفسي في الإمتحان وأنت المريض ،
سأبدأ بالكشف النظري(Inspection) ، لا توجد أي تشوهات ، مهلًا توجد منطقة كثيفة الشعر وأُخرى لا ،
إقرأ أيضا: عند عودته للمنزل حدث بينه وبين زوجته خلاف
قاطعتُهَا مُمَازِحًا لأنّكِ تضعي يدكِ عليهَا كثيرًا ، لو وضعتِها على صحراءِ قاحلة لأنبتت فيها الأشجار ،
ثُمَّ هذه المرّة بالسماعة الطبية على صدري ، هيا إنهض ستفشلني أنت.
في ليلة الإمتحان قلت لها : أرجوك كفى ، السهر ليس جيدًا ، أريد أن أستيقظ الخامسة فجرا ،
لقد تبقت أقلّ من أربعِ ساعات.
هيّا نامي وأنا سأُيقظكِ ، الآن عليّ أن أبقى مُستيقظًا إلى الساعة الخامسة فجرا ،
أخاف أَنْ أنام دون أن أيقظهَا ، مِن أجلِهَا سأبقى مُستيقظًا ولو دهرًا.
خرجت من قاعة الإمتحان تكاد الأرض لا تسع سعادتها ، قالت لي : أنظر إلى أثر أظافري على جسدك ،
وهذا يدل عَلى أنّك رجلًا حقًّا ، إنّي أرى الثُريّا مِن هُنَا.
إفعلوا أشيائكم بحُب ، بالحُبِّ نتغلّب على أي شيء.
الحب لا يشغلنا عن تحقيق ما نطمح طالما هنالك من نتّكئ عليه بكامل قوتنا ، ومتيقنين أنه لن يخذلنا.