الحساب نوعان : حساب عرض ومعاتبة ، وهو حساب يسير لا عذاب فيه ، ومعناه : تذكير المؤمن على انفراد بأخطائه ،
مع تَطمينِه بالعفو عنه ، وحِسابُ مُناقَشةٍ ، وهو حساب عسير شديد ، ولا يَخْلو مِن العذاب ؛
لأنه مناقشة للعبد على أخطائه ، وتَوقيفُه على جَميعِ ذنوبه ، واستقصاءٌ لكلّ سيِّئاتِه.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها :
“سمِعْتُ النَّبيَّ صل الله عليه وسلم يقول في بعضِ صلاته” ، أي : مِن الفَرائضِ أو النوافل ، أو في بَعضِ أجْزائهَا ؛
مِن أوَّلِ القِيامِ أو الركوع ، أو القَومةِ ، أو السجود ، أو القعدة ، “اللَّهُمَّ حاسِبْني حِسابًا يَسيرًا” ،
أي : هيِّنًا سَهْلًا ، وقولُه هذا : إمَّا تعليم للأمة وتَنبيهٌ لهم عن نَومِ الغفلة ، وإمَّا تَلذُّذٌ بما يَقَعُ له مِن هذه النعمة ،
وإمَّا خَشيةٌ له ، كما يَقْتضيهِ مَقامُه مِن مَعرفةِ ربِّ العزة ، وذُهُولُه عَن مَرتبةِ النُّبوَّةِ ومَنزِلةِ العصمة ،
“فلمَّا انصرَفَ” ، أي : مِن صَلاتِه ، “قلْتُ : يا نَبِيَّ اللهِ ، ما الحِسابُ اليسيرُ؟” أي : ما كُنْهُه وكيفيَّتُه؟
“قال : أنْ يَنْظُرَ في كتابه ، فيَتجاوَزَ عنه” ، أي : بالعَفْوِ ، “إنَّه مَن نُوقِشَ الحِسابَ يومئذٍ يا عائشةُ هَلَكَ” ،
أي : عُذِّبَ ، والمُرادُ بالمُناقَشةِ الاستِقصاءُ ، “وكلُّ ما يُصِيبُ المُؤمِنَ يُكفِّرُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ به عنه ،
حتَّى الشَّوكةُ تَشوكُه” ، أي : كلُّ شيءٍ يُصيبُ المسلمَ أيًّا كان قدْرُه ؛ صَغيرًا أو كبيرًا ؛ فإنَّه يكونُ تَكفيرًا لذُنوبِه ،
سواءٌ كانت هذه المُصيبةُ تَعبًا أو همًّا ، أو غمًّا أو حَزنًا ، ويَحُطُّ اللهُ بها عنه خَطاياهُ ، ويُطهِّرُه بها مِن ذُنوبه ومَعاصِيه ،
حتَّى لو كانتْ تِلك المُصيبةُ هيِّنةً كالشَّوكةِ التي تُصيبُ العبْدَ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين.
المحدث : الألباني.
المصدر : أصل صفة الصلاة.