الحطاب وملك الجان الجزء الأول
يحكى عن حطاب يسكن بإحدى القرى النائية ، وفي كلّ صباح يقصد الغابة ، فيقطع ما إستطاع من الحطب ، ثمّ ينزل به للسّوق فيبيعه ،
ويطعم بثمنه زوجته وأولاده.
وفي أحد الأيّام وصل إلى الغابة ، ولمّا رفع فأسه ، ظهر له جنّ له لحية بيضاء ، وقال له :
إنّك تزعجنا بحضورك ، فكفّ عن قطع هذه الأشجار ، وابتعد من هنا!
أجاب الحطاب : ومن أين نأكل أنا وزوجتي وأولادي؟
أطرق الجنّ قليلا ، وقد أخذته الشّفقة على الرّجل المسكين ، ثمّ نظر إليه ، وقال : أنا أعوّضك عن الخشب.
تعجّب الحطاب وسأله : وبماذا تعوّضني؟ فأنا لا أرى عندك شيئا.
قال الجن : إلتفت وراءك ، ولمّا إستدار الرّجل رأى شاة نصفها أبيض ، والنصف الآخر أصفر ، قال الحطاب إنّها مجرد شاة!
ردّ الجنّ : إذا حلبتها من الجهة البيضاء تشبع من اللبن ، ومن الجهة الصّفراء تشبع من السّمن ، والخير لا ينقطع منها ،
والآن خذها وانصرف ، ولا تريني وجهك بعد الآن.
لمّا وصل الحطّاب إلى بيته ، أخبر زوجته بالقصّة ، وأمرها بحلب الشّاة ، وما إن أمسكت ضرعها حتى فاض الحليب ،
وحين دارت إلى الجهة الأخرى فاض السمن ، فكاد الرّجل يطير من الفرح ، وملأ جرّتين كبيرتين أحدهما لبنا والأخرى سمنا ،
ونزل إلى السوق وباعهما ، واشترى طعاما وأربعة جرار.
وبعد خمسة أيام رجع إلى داره بحمار محمّل بكلّ الخيرات ، مضت مدّة ، وأصبح له حمارين ، ثم ثلاثة ، وظهرت عليه آثار النّعمة.
كان جاره ينظر إليه ، ويتسائل من أين جاءه كل هذا الرزق ، وذات يوم قال لإمرأته أريدك أن تذهبي إلى دار الحطاب ،
وتعلمي ماذا يوجد في تلك الجرار!
لما خرج الرجل إلى السوق ، ذهبت المرأة لجارتها ، وطرقت الباب ، فرحبت بها ، وأحضرت لبنا وسمنا وخبزا ،
وقالت لها : تعالي أفطري معي.
إقرأ أيضا: الصياد وبناته الثلاثة قصة قصيرة
ذاقت الجارة من ذلك الطعام فأعجبها ، وسألتها هل لديك الكثير من هذا اللبن والسّمن؟
أجابت زوجة الحطاب دون أن تفكر : نعم نأكل ، ونيبع منه كل يوم والخير موجود.
خاطبت المرأة نفسها : هذا يلزمه قطيع كبير من الأغنام ، ودار جارتي بالكاد تكفيها هي وزوجها وأولادها الثلاثة ، لا بد أن أعرف السّر!
ثمّ قالت لجارتها : إبني مريض ، هل تعطيني شيئا من حليبك وسمنك له؟
أجابت زوجة الحطاب طبعا ، إنتظري قليلا ، سأملأ قلة هدية لك ،
ولما قامت إتبعتها جارتها دون أن تحس ، ونظرت من النّافذة إلى الحديقة الصغيرة ، فرأتها تحلب شاة غريبة اللون ،
فابتسمت بمكر ، ورجعت إلى مكانها بهدوء ،ثم أخذت قلتها ، وانصرفت دون أن تنظر خلفها.
إنتظر زوجها حلول الليل ثم جاء ، وتسلق السور الخشبي ، وأخذ الشّاة ، ووضع مكانها واحدة لها صباغ أبيض وأصفر ،
وبعد أن إطمئن أنّ جاره لن يفطن لشيء ، رجع إلى الدار ، وأخفى الشّاة.
في الصّباح لمّا وضعت إمرأة الحطاب الجرار ، وأرادت ملئها لبنا وسمنا كما تعوّدت أن تفعل ، لكن لم تجد سوى قدر يسير من اللبن ، كأيّ شاة أخرى.
وحين أخبرت زوجها ، جاء يجري ، ثم نظر إليها مليّا ، وصاح : هذه ليس لنا لقد سرق أحدهم الشاة! هل أتى إليك أحد البارحة؟
فقصّت عليه ما حدث مع جارتها ، فقال : لا يوجد غير جاري ، فهو شخص لئيم.
ثم ذهب واشتكاه القاضي ، فحضر الجار ، وقال له : هذا مجنون ، فهل سمعتم يا فضيلة القاضي عن شاة تعطي لبناً وسمنا ،
فقال للحطاب : لا أريد أن أراك مرة أخرى أمامي ، هل فهمت؟ وإياك أن تقلق جارك مرّة أخرى ، وإلا عاقبتك بشدّة!
رجع الحطاب حزينا إلى داره ، وصار ينفق ممّا عنده من مال حتى نفذ ، ثم باع الجرار والحمير ، ولم يبق معه شيء ،
واشتدّ بصبيانه الجوع.
إقرأ أيضا: الحطاب وملك الجان الجزء الثاني
في الصّباح رجع إلى الغابة ، وهو يحسّ بالخجل من نفسه ، وأخذ يضرب بالفأس في جذوع الشجر ،
فأتاه الشيخ ، وقد لاح على وجهه الغضب ، وقال له : ألم نتفق على أن لا تعود هنا؟
أجاب الحطاب في يأس : لقد إحتال عليّ جاري ، وسرق الشاه التي أعطيتني إياها ،
ولم آتي إلى هنا إلا بعد ما جعت أنا وعيالي ، فعدت إلى صنعتي!
قال الشيخ : خيرا إن شاء الله ، خذ هذا المكيال ، وإذا وضعت فيه الحصى تحوّل إلى فضّة ، والخير لا ينتهي!
هذه المرّة إحرص أن لا تفرّط فيه.
فأخذه الحطاب ، وذهب إلى داره ، ثمّ تناول حصاة ، ورماها في المكيال ، ولمّا قلبه سقطت قطعة من الفضّة على الأرض ،
فلم يصدّق عينيه ، وصاح بفرح : سنصبح من الأغنياء
هات لنا يا إمرأة صندوقا من عند جارتك نملئه فضّة ، وسأنزل إلى السّوق الآن ، واشتري طعاما ، وصناديق جديدة ، فلقد بعناها كلها لنأكل ، هيا أسرعي.
يتبع ..