الحطاب وملك الجان الجزء الثالث
وفي الصباح وجدا ثلاثة قطع من الألماس لا مثيل في جمالهم ، فأخذ الحطاب واحدة ، وباعها لأحد كبار الصاغة ، ورجع بمال كثير.
ورغم حرص الحطاب على أن لا تظهر عليه النعمة ، إلا أنّ زوجة الجار أحسّت بفراستها تغيّر شيء ما عند عائلة الحطاب ،
وأنّ لديهم ما يخفونه ، وأخذت تلح على زوجها ليعرف السر.
سمع الملك بهذه الماسّات الكبيرة ، التي ظهرت في السّوق ، وحاول أن يعرف مصدرها ، لكن الحطاب كان حذرا ،
وكان يبيعها كلّ مرّة في مدينة ، ويدفن المال ، ورغم محاولة جاره إلا أنه لم يفلح في معرفة السر.
وذات ليلة جاء ضيوف للحطاب وسهر كثيرا ، ولم يستيقظ إلا متأخّرا.
في تلك الأثناء مرّ غراب ، ورأى الجواهر في الصّحفة ، فسرق واحدة ، وطار بها.
كانت إمرأة الجار تطل من النافذة ، وشاهدت ما حدث ، فاتّبعت الطائر إلى عشّه ، ولمّا أدخلت يدها وجدت الماسّة ،
فشهقت وقالت : جاري له كنز من الألماس ، وأنا لا أعلم! لكن من أين جاءه كل ذلك؟
وحين رجعت ، لم تجد أحدا في الحديقة ، فصعدت إلى السّطح ، وجالت بعينيها ، ولم تفهم من أين إلتقط ذلك الغراب الماسّة.
فجأة رأت ركب الملك يتوقّف أمام دار الحطاب ، فقالت : تبا! لقد سبقنا الملك.
ولمّا سأل الحطاب عن الألماس ، أنكر أن يكون له علم بذلك ، فهو رجل فقير يكسب عيشه من قطع الحطب.
فتّش الحرس البيت ، ولم يجدوا شيئا سوى صرّة صغيرة من الدّراهم ، ولم ينتبه أحد للصّحفة القديمة.
قال الملك في نفسه : من المؤكد أنّ جواسيسي يقصدون شخصا آخر ،
ولمّا همّ بالإنصراف جاءته المرأة ، وقالت : إذا كنت تبحث عن الألماس ، تلقاه عند الحطاب وهو يخفيه في الغابة!
فسألها : ومن يضمن أنّك تقولين الحقيقة؟ فأخرجت الماسة من جيبها وردّت : لقد وجدتها في الغابة.
إقرأ أيضا: حين أمسكت بورقة طلاقي علمت أنني لا أتوهم
أخرج رجال الملك الحطاب المسكين ، وإمرأته وأولاده وأخذوهم إلى الغابة ، وهدّدوه بأنّه إذا لم يدلّهم على مكان الألماس ،
فإنه سيرميهم في سجن مظلم ، ولن يروا النّور بعد ذلك.
فبكت زوجته ، وقصت على الملك كلّ ما وقع لها بسبب الجان :
الشاة التي تعطي السمن واللبن ، والمكيال الذي يحوّل الحصى إلى فضّة ، والندى الذي يصبح ألماس في صحفة الخشب ،
وأنّ جيرانها هم من تحيّلوا عليه ، لتبقى الدّار دون حراسة ، ويحصلوا على الصّحفة المسحورة ،
كان الملك يسمع ويتعجّب ، ثم سألها : وأين الشّاة والمكيال الآن؟
أجابته : الشاة سرقها الجار ، أمّا المكيال عند الوالي!
قال لها : سأرسل رجالي للبحث في منزل جيرانكم ، فإذا كان كلامك صحيحا أطلقتكم ،
والويل لك إن حاولت خداعي يا إمرأة!
أمّا الجارة فلما وجدت دار الحطاب فارغة ، دخلت وفتشت أين رأت الغراب وفي الأخير وجدت الصحفة وفيها ثلاثة ماسات كبيرة ،
ولم تكتف بذلك بل دخلت إلى الغرف ، وأخذت كلّ ما أعجبها من ثياب ،
ولمّا خرجت رأت جنود الملك الذين صاحوا بها توقفي أيتها اللصة! وأرينا ماذا سرقت من منزل جارك ،
لكنها رمت الصّرة على كتفها ، وهربت ، وهي تقول : الآن لي ما يكفي ، ولا أحتاج لمنزل خرب ، ولا لزوجي الأحمق.
لكن المرأة لم تبتعد كثيرا ، فلقد تعثرت وسقطت على وجهها ، فقبض عليها الجنود وأتوا بها إلى الملك ،
ولمّا مثلت في حضرته أمر بفتح الصّرة ، فوجد فيها صحفة الخشب ،
سألها : لمذا سرقت هذه الصحفة القديمة؟ وأين وجدت تلك الملابس الغالية الثمن ،
فعندما بحثنا في دار الحطاب لم نعثر على شيء!
من المؤكّد أنّك تراقبينه أنت وزوجك ، وتعلمون سرّه ، وأريد أن أعرف لماذا؟ هيا تكلمي.
إقرأ أيضا: صندوق البريد
لكن المرأة أنكرت كلّ شيء ، فضربها عبد أسود اللون حتى إنسلخ جلدها ، فصاحت :
توقف يا مولاي ، أعطيني الأمان ، وسأتكلم دون إنقطاع مثل الببّغاء!
قال الملك : حسنا لك هذا ، صمتت قليلا ، وهي تمسح الدّم من شفتيها ، ثم قالت : حقا لا أعلم كيف؟
ولكن كلّما ذهب الحطاب إلى الغابة ، عاد بشيء سحري يربح منه كثيرا من المال :
المرة الأولى كانت شاة تعطي السّمن واللبن ، والثانية مكيال يحوّل الحصى إلى فضّة ،
والثالثة هذه الصحفة التي تمتلأ بالألماس عند سقوط قطرات النّدى.
هتف الملك : إذا كانت إمرأة الحطاب على حقّ في كلامها!
ثم أمر بإطلاقها مع زوجها وأطفالها ، وردّ إليها صرّة الملابس.
بعد ذلك أرسل جنوده لأخذ الشّاة ، وقال للجارة : ستعودين إلى دارك ، لكن على شرط أن تراقبين ذلك الحطاب ،
وتعلميني إن أتى بشيء من الغابة!
ردّت : سأفعل كل ما تأمرني به ، والآن أتركني أرجع إلى داري ، فلقد أنهكني الضّرب المبرّح.
ومشت، وهي تعرج ، وقالت في نفسها : اللعنة على الطمع كنّا نكسب جيدا من تلك الشاة والآن خسرنا كلّ شيء ،
وضربوني كالطبل يوم العيد ، آه ظهري ، أووه ساقي.
أما الملك فلم يحمد الله على الشاة ، وصحفة الألماس ، وأرسل في طلب الوالي ، وطالبه بالمكيال ،
وبما أخذه من الحطاب من فضّة.
أنكر الوالي ، لكن الملك أمر العبد الأسود بضربه حتى إنسلخ جلده ، وفي الأخير أرجع كل ما أخذه ،
وقال : اللعنة على الطمع ، فلقد كانت خزائني مليئة ، وماذا ربحت من ذلك الحطاب اللعين!
أما الملك فبدأ يكنز في الفضّة ، والأحجار الكريمة حتى صار أغنى الملوك ،
بعد أشهر نفذ مال الحطاب الذي ردمه ، وجاع عياله ، فتحامل على نفسه ، وذهب إلى الغابة ،
وقال : ليعذرني الجنّ ، ولمّا رفع فأسه ليقطع أحد الأشجار ، ظهر الشيخ ، وقد إحمرت عيناه ، ولوّح بيديه ، وقال: ويحك!
إقرأ أيضا: رجل إضطر أن يقترض مبلغ من أحد التجار
ألم يكفيك ما أخذته منا؟ يا لك من لئيم؟ بكى الحطاب ، وأخبره بكل ما جرى ، فأطرق الجن برأسه ثم قال :
لقد نالت جارتك والوالي نصيبهما من الضّرب المبرّح ، ولم يبق إلا الملك ، خذ هذه العصا ، إذا قلت لها المرة الأولى :
أعطني من خيرك ، فستنثر حولك البخور ، والمرّ ، والعود الهندي ،
أماّ المرّة الثانية ، فستضربك حتى تظهر عظامك.
كلّ ما عليك أن تفعله هو أن تتحايل حتى تصل تلك العصا للملك ، هل فهمت؟
أجاب الحطاب وهو يضحك : أرجو أن تضرب العصا بقسوة ليتعلم ذلك المحتال الأدب!
أجاب الجن وهو يفرك يديه : ستسمع من الأخبار ما يسرّك.
إنتظر الحطاب حتى خرجت الجارة إلى النّافذة ، فأخذ العصا ، وقال :أعطني من خيرك :
فبدأ البخور الأصفر الصّافي بالنزول منها حتى صار كدسا كبيرا ، كانت تلك المرأة تنظر ،
وجرت للملك لتعلمه ، فلقد وعدها بصرّة مال ، فجاء حرس الملك ، وأخذوا العصا ، وسلموها إليه.
ولمّا خلى بنفسه : قال للعصا : أعطيني من خيرك ، فانهالت عليه ضربا ، وكلما هرب إلى مكان لحقت به ،
ثم ظهر الشيخ فجأة ، وقال له : لقد أخذت أشياء لا تخصك ، وسترجها في الحال إلى صاحبها!
صاح الملك ، وقد كست جسمه الجروح والكدمات : سأفعل ذلك ،
لكن أطلب أولا من العصا أن تكفّ عن الضّرب ، فتوقفت عن ذلك ، فنادى حرسه وطلب منهم إرجاع الثلاثة أشياء للحطاب على الفور ،
وقال له الجن : أتمنى أن لا تضع يدك على رزق النّاس ، ولا يغرنّك أنّك الملك ، فيوجد من هو أقوى منك.
أجاب الملك وهو يتوجع من كثرة الضّرب : أعدك بهذا ، وسأتصدّق بربع مالي ،
أرجوك أبعد تلك العصا فقد نالني منها نصب شديد ، آه ظهري ، أوه رأسي ، فضحك الجنّ وانصرف.