الحياء خلق الإسلام
استحيوا مِن الله حق الحياء
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )
قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّه.
قَالَ : ( لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِإسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ،
وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )
وَمَا وَعَى : أي ما جمعه الرأس من السمع والبصر واللسان ، وحِفظُها بأن لا تستعملها في المعاصي.
قال الإمام ابن القيّم رحمه الله :
وَلَمَّا كَانَ الْحَيَاءُ مِنْ شِيَمِ الْأَشْرَافِ ، وَأَهْلِ الْكَرَمِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ كَانَ صَاحِبُهُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ أَهْلِ الْخَوْف.
وَلِأَنَّ فِي الْحَيَاءِ مِنَ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاقَبَتِهِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ مَعَه.
وَلِأَنَّ فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ وَإِجْلَالِهِ مَا لَيْسَ فِي وَازِعِ الْخَوْف.
فَمَنْ وَازِعُهُ الْخَوْفُ ؛ قَلْبُهُ حَاضِرٌ مَعَ الْعُقُوبَةِ ، وَمَنْ وَازِعُهُ الْحَيَاءُ ؛
قَلْبُهُ حَاضِرٌ مَعَ اللَّهِ ، وَالْخَائِفُ مُرَاعٍ جَانِبَ نَفْسِهِ وَحِمَايَتَهَا.
وَالْمُسْتَحِي مُرَاعٍ جَانِبَ رَبِّهِ وَمُلَاحِظٌ عَظَمَتَهُ ، وَكِلَا الْمَقَامَيْنِ مِنْ مَقَامَاتِ أَهْلِ الْإِيمَان.
غَيْرَ أَنَّ الْحَيَاءَ أَقْرَبُ إِلَى مَقَامِ الْإِحْسَان ، وَأَلْصَقُ بِهِ ،
إِذْ أنزل نفسه منزلة مَنْ كَأَنَّهُ يَرَى اللَّهَ ، فَنَبَعَتْ يَنَابِيعُ الْحَيَاءِ مِنْ عَيْنِ قلبه وَتَفَجَّرَتْ عيونها.
[ مدارج السالكين : (2 /164-165)]