الزبير بن العوام حواريّ رسول الله

الزبير بن العوام حواريّ رسول الله

أن تكون ابن عمة رسول اللّه! فهذا شرف كبير ،
وأن تكون عمتك هي خديجة زوجة رسول اللّه فيالك من محظوظ.

أن تكون زوجتك بنتًا لِلصديق وأختاً لِعائشة زوجة رسول اللّه فأكرم بهذا النسب ،

وأن تكون أحد العشرة المبشرين بالجنة فهنيئا لك.

أن ينزل جبريل الأمين بِهيأتك ومعه خمسين ألف ملك كلهم على نفس صورتك فهذا شرف ما بعده شرف.

وأن يكون خالك حمزة وابن خالك علي وابن خالك الآخر عبد اللّه بن العباس فأنت أشرف الناس نسبا.

وأن تكون حواري سيد الخلق فهذا قمة التشريف والتبجيل.

ولكن أن يجتمع هذا الشرف كله في إنسان واحد فاعلم أنك تتحدث عن رجل واحد فقط ،
إنك تتحدث عن البطل المقدام ،

والفارس الهُمام ، والصائم القوّام ، إنك تتحدث عن حواري خير الأنام ، إنك تتحدث عن الزبير بن العوّام!

(والحواري هو ناصر النبي من صفوته الذي بالغ في نصرة نبيه ونقي من كل عيب).

نسبه

هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب القرشي ،

وأبوه العَوَّام هو أخو زوجة النبي خديجة بنت خويلد.

ويجتمع مع النبي صل الله عليه وسلم في قصي ، وهو حواري رسول الله.

أمه : صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صل الله عليه ، وزوج أسماء بنت أبي بكر المُلقّبة بذات النطاقين.

وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأحد أصحاب الشورى.

وهو من الستة الذين قال عنهم عمر بن الخطاب إن الرسول توفي وهو راضٍ عنهم.

قُتل أبوه في حرب الفجار ، فنشأ يتيم الأب ، وكانت أمه تعامله بشدة منذ طفولته بهدف أن يكون له شأن عظيم لاحقا.

إقرأ أيضا: الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص

إسلامه

لقد أسلم الزبير ، إسلاما مبكرا ، إذ كان واحدا من السبعة الأوائل الذين سارعوا إلى الإسلام ،

وأسهموا في طليعته المباركة في دار الأرقم ، وقيل أن عمره يومئذ خمسة عشرة سنة.

ولقد كان فارسا ومقداما منذ صباه ، حتى أن المؤرخين ليذكرون أن أول سيف شهر في الإسلام كان سيف الزبير.

ففي الأيام الأولى للإسلام ، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم ، سرت إشاعة ذات يوم أن الرسول قتل.

فما كان من الزبير إلا أن استلّ سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة ، فلقيه رسول الله صل الله عليه وسلم ،

فسأله ماذا به؟ فأخبره الزبير النبأ ، فأثنى عليه الرسول ، ودعا له بالخير ، ولسيفه بالغلب.

وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد حمل حظه من اضطهاد قريش وعذابها.

وكان الذي تولى تعذيبه عمه ، كان يلفه في حصير ، ويدخن عليه بالنار كي تزهق أنفاسه ، ويناديه وهو تحت وطأة العذاب :

” أكفر برب محمد ، أدرأ عنك العذاب”.

فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ ، غضّ العظام ، يجيب عمه في تحدّ رهب : ” لا ، والله لا أعود لكفر أبدا”.

هجرته

ويهاجر الزبير إلى الحبشة ، الهجرتين الأولى والثانية ، ثم يعود إلى مكة وتزوج أسماء بنت أبي بكر ،

وهاجرا إلى يثرب التي سُميت فيما بعد بالمدينة المنورة ، فولدت له عبد الله بن الزبير فكان أول مولود للمسلمين في المدينة.

وليشهد الزبير المشاهد كلها مع رسول الله ،
لا تفتقده غزوة ولا معركة.

وما أكثر الطعنات التي تلقاها جسده واحتفظ بها بعد اندمال جراحاتها ، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده!

تحدث أحد الصحابة عنه قائلا : صحبت الزبير بن العوّام في بعض أسفاره ورأيت جسده ، فرأيته مجذّعا بالسيوف ،

وأن في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي.

إقرأ أيضا: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ

فقلت له : والله لقد شهدت بجسمك ما لم أره بأحد قط.

فقال لي : أما والله ما منها جراحة إلا مع رسول الله وفي سبيل الله.

وفي غزوة أحد بعد أن انقلب جيش قريش راجعا إلى مكة وندبه الرسول هو وأبو بكر لتعقب جيش قريش ومطاردته ،

حتى يروا أن المسلمين قوة فلا يفكروا في الرجوع إلى المدينة واستئناف القتال.

وقاد أبو بكر والزبير سبعين من المسلمين ، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعقبون جيشا منتصرا ،

فإن اللباقة الحربية التي استخدمها الصديق والزبير ، جعلت قريشا تظن أنها أساءت تقدير خسائر المسلمين ،

وجعلتها تحسب أن هذه الطليعة القوية التي أجاد الزبير مع الصديق إبراز قوتها ،

وما هي إلا مقدمة لجيش الرسول الذي يبدو أنه قادم ليشن مطاردة رهيبة.

فأخذت قريش سيرها وأسرعت خطاها إلى مكة.

ويوم اليرموك كان الزبير جيشا لوحده ، فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسهم يتقهقرون أمام جبال الروم الزاحفة ،

صاح هو” الله أكبر”.

واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده ، ضاربا بسيفه ، ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرهيبة ذاتها ،

وسيف يتوهج في يمينه لا يكبو ، ولا يحبو!

وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشهادة ، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله.

وكان يقول : ” إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ،

واني لأسمي بنيّ بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون”!

ولقد قيل في تاريخه : ” أنه ما ولي إمارة قط ، ولا جباية ، ولا خراجا ولا شيئا إلا الغزو في سبيل الله”.

إقرأ أيضا: لمسات بيانية في اهدنا الصراط المستقيم

وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صل الله عليه وسلم مع علي ابن أبي طالب ،

فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله : ” والله لنذوقنّ ما ذاق حمزة ، أو لنفتحنّ عليهم حصنهم”.

ثم ألقيا بنفسيهما وحيدين داخل الحصن ، وبقوة أعصاب مذهلة ، أحكما انزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين!

ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم هوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة ،

أبصره بعد هزيمتهم في حنين واقفا وسط أصحابه ، وبقايا جيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وحده ،

وأزاحهم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين ، العائدين من المعركة!

ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما ،

وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباهي به ويقول : ” إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير بن العوّام”.

وكان رفيع الخصال ، عظيم الشمائل ، وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان!

فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة ، وكان ثراؤه عريضا ، ولكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا.

وفاته

وفي يوم الجمل ، كانت نهاية سيدنا الزبير ومصيره ، فبعد أن رأى الحق نفض يديه من القتال ،

وتبعه نفر من الذين كانوا يريدون للفتنة دوام الإشتعال ، وطعنه القاتل الغادر وهو بين يدي ربه يصلي.

وذهب القاتل إلى الإمام علي يظن أنه يحمل إليه بشرى حين يسمعه نبأ عدوانه على الزبير ،

وحين يضع بين يديه سيفه الذي استلبه منه ، بعد اقتراف جريمته ،

لكن عليّا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير يستأذن ، صاح آمرا بطرده قائلا : ” بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار”.

وحين أدخلوا عليه سيف الزبير ، قبّله الإمام وأمعن بالبكاء وهو يقول :

” سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله”!

Exit mobile version