الصلاة صلة بين العبد وربه ، والمصلي مناج ربه ، ومن ثم يجب أن يقف فيها العبد خاشعا لله عز وجل ،
مفرغا قلبه وعقله ، وسائر جوارحه مِن جميع الشواغل ، والكلامُ أثناء الصلاة مناف للخشوع وصارف عنه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا يُلْقونَ السَّلامَ على النَّبيِّ ،
فيَرُدُّ صل الله عليه وسلم عليهم السلام وهو في الصلاة ، فلمَّا رجَعوا مِن عندِ النجاشي ، لقب لملِكِ الحبشة ،
وهذا الملِكُ اسمُه أَصْحَمةُ ، أسلَمَ في زَمنِ النَّبيِّ صل الله عليه وسلم ، وماتَ قَبْلَ الفَتحِ ؛
وذلك أنَّ المُسلِمينَ لَمَّا اشتَدَّ عليهم أذى المُشرِكينَ قصَدَ بَعضُهم الهِجرةَ إلى أرضِ الحَبَشةِ ؛ مَخافةَ الفِتْنةِ ،
وفِرارًا إلى اللهِ تعالى بِدينِهم ، فكانتْ أوَّلَ هِجرةٍ في الإسْلامِ ، وكان ابنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه مِن هؤلاء ،
واجتِماعُهم بالنَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلم كان بالمَدينةِ عندَ رُجوعِهم مِن الهِجرةِ الثَّانيةِ ،
وقيل : كان ذلك بمكَّةَ عندَ رُجوعِهم مِن الهِجرةِ الأُولى ، وقد هاجَرَ ابنُ مَسْعودٍ رَضيَ اللهُ عنه الهِجرَتَينِ إلى الحبشة ،
قال : فلمَّا رَجَعْنا مِن هِجرتِنا إلى الحبشة ، سلمنا عليه ، فلم يَرُدَّ علينا ،
وقال: إن في الصَّلاةِ شُغلًا ، أي : إنَّ المُصلِّيَ وَظيفتُه أنْ يَشتَغِلَ بصَلاتِه ، فيَتدبَّرَ ما يَقولُه مِن قِراءةِ القُرآنِ ،
والذكر ، والدعاء ، أوِ التَّعظيمِ ، فالمُصلِّي مُناجٍ لربه ، فواجِبٌ عليه ألَّا يقطع مُناجاتَه بكلام مَخلوقٍ ،
وأنْ يُقبِلَ على ربِّه ، ويَلتزِمَ الخشوع ، ويُعرِضَ عمَّا سِوى ذلك.
وقال سُلَيْمانُ الأعمَشُ -أحدُ رُواةِ الحَديثِ- لِشَيخِه إبْراهيمَ النَّخَعيِّ : كيف تَصنَعُ أنتَ؟
يَعني : حينَ يُلْقي عليكَ أحدٌ السَّلامَ في أثْناءِ صَلاتِكَ ، قال : أرُدُّ في نَفْسي ، أي : في ذِهنِي دونَ تَحْريكِ لِسانٍ ، أو إخْراجِ حُروفٍ.
وفي الصَّحيحَينِ عن زَيدِ بنِ أرقَمَ رَضيَ اللهُ عنه : «إنْ كنَّا لَنتكَلَّمُ في الصَّلاةِ على عَهدِ النَّبيِّ صل اللهُ عليه وسلم ،
إقرأ أيضا: فَإِنِّي قَرِيبٌ
يُكلِّمُ أحدُنا صاحِبَه بحاجَتِه ، حتَّى نزَلَت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فأُمِرْنا بالسُّكوتِ».
(وفي الحَديثِ ): وُقوعُ النَّسخِ لبعضِ أحْكامِ الصَّلاةِ.
الراوي : عبدالله بن مسعود
المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري
الصفحة : 3875.