الطفل والإصبع الذهبي الجزء الثالث
لمّا إنتهى مروان من العمل ، كانت فرحة السّلطان لا توصف ، فقال له : أحضر أيّ شيء وسأملئه لك بالذّهب!
أجابه : لي طلب واحد يا مولاي ، فسأله ، وما هو ؟ كانت أشواق بجانب أبيها ، فنظر إليها ، وقال : أريد طلب يد الأميرة!
فقطب الملك جبينه ، لكن البنت أمسكت يده ، وقالت : وأنا موافقة يا أبي!
ردّ الملك : إذا كان الأمر كذلك ، فأنا أيضا موافق ، فأبو مروان وأمّه من أهل الفضل والمروءة ، ولم أسمع عنهما إلا خيرا ،
وإنتشر خبر الزواج في المدينة ، وعلم به كلّ النّاس ، ففرحوا ، وزيّنوا الشّوارع ، ونصبت الموائد ، وأكل الجميع كبارا وصغارا.
وفي أحد الأركان كانت إمرأتان تتميّزان من الغيظ ، وقالت أحداهما للأخرى :
أرأيت يا محبوبة سوء تدبيرك ، كان عليك أن تقتلي ذلك الطفل قبل رميه في الحفرة ،
والنتيجة أنه كبر وأنقذ أمه ، والآن يتزوج بنت السلطان.
ردت الثانية : بالله عليك يا محجوبة ، كيف لي أن أعلم أنه سيخرج من تلك الحفرة ، فلا أحد يمر من هناك!
يجب أن تعترفي أنّه محظوظ منذ البداية ، فمن يولد بذلك الجمال وفي قدمه إصبع من الذهب ؟
إسمعي لم ينته كلّ شيء ، وسنحتال عليه لنفتله ، ونجعل أمّه وزوجها تموتان كمدا.
كانت محجوبة ساحرة وقد تعلمت ذلك من جدتها التي ربّتها بعد موت أمّها ،
وهي التي دست الحشائش في شراب زوجها ، ليكره ضرتّها الجميلة عيشوشة ،
وبعد طول تفكير خطر لها طريقة خبيثة لقتل مروان داخل القصر ، فقد بلغها أن ذلك الفتى يحب الرمان ،
فنزلت إلى السّوق واشترت رمانة حمراء كبيرة ، وثقبتها ثمّ أدخلت فيها عنكبوته غريبة الشّكل.
غدا في الصباح تنكرت في زي أحد الجواري ، وانتظرت أمام القصر ،
وحين جاءت عربات المؤونة وضعت السلة فوق رأسها واندسّت وسط الخدم ،
كان الكل مشغولا فلم ينتبه لها أحد ، ثمّ نزلت إلى الحديقة أين تعوّد أن يجلس مروان ، ووضعت الرّمانة على الطاولة ،
ثمّ انصرفت في سبيلها.
إقرأ أيضا: يقول أحد الطلاب عندما وصلت إلى هامبورغ
في ذلك الوقت كانت الأميرة أشواق تبحث عن زوجها ، ولمّا إفتقدته ، ذهبت إلى الحديقة ، فرأت الرّمانة واشتهت أن تذوق منها ،
وحين أمسكتها خرجت العنكبوتة ، وقرصتها ،ثم هربت.
أحست الأميرة بالألم ، وبعد قليل بدأت يدها بالانتفاخ ، فنادوا لها الطبيب الذي وضع عليها أعشابا ،
وقال لها لا تخافي ستشفين بعد يومين ، لكن حالتها بدأت تسوء ، وظهرت بقع زرقاء على ذراعها ،
جزع مروان عليها ، فهو تربّى في الغابة ، ويعرف الحشرات ، وقرصته كثيرا منها لكن لم ير تلك البقع من قبل.
ولمّا سألها عن آخر شيء لمسته ، أجابت : الرّمانة التي على منضدة الحديقة.
جمع السّلطان جميع أهل القصر لمعرفة من أدخل الرّمانة ، لكنهم نظروا لبعضهم ، وقالوا : لا ندري : فكل شيء ننقله للمطبخ!
ثمّ وقف أحد الحرس وقال : آه لقد تذكرّت!
قبل أيام رأيت خادمة تنزل إلى الحديقة ، فلم أسألها ، وظننت أن سيدي الأمير هو من طلب ذلك ،
قال مروان : هل يمكن لك أن تصف تلك المرأة ؟
فأجابه :لم تكن تختلف في لباسها عن غيرها ، لكنّها بيضاء وتعتني بزينتها ،
صاح مروان : تباّ إنّها المرأة التي طلقها أبي مع رفيقتها ، لقد رأيتها في البستان ، وأخشى أن تكون قد دسّت سحرا لأشواق!
أصيب السّلطان بالذعر ، واستدعى الأطباء الذين أجمعوا أن من قرص البنت حشرة ولكنهم لا يعرفون لسمّها علاجا.
قال مروان : لا بد أن نجد تلك الحشرة ، ومن المؤكّد أنها في الحديقة!
فوضع صحنا فيه عسل ، وفي الصباح نظر فيه ، ووجد كثيرا من الحشرات ملتصقة في العسل ومن بينها واحدة غريبة لم يرها في حياته.
إقرأ أيضا: قصة الفيل الذي إنتقم أشد إنتقام من القطار
كانت عنكبوتة خضراء اللون بثلاثة عيون ، وقال في نفسه :
زوجة الصّياد ماهرة في صنع العقاقير ، والهوام لا تدخل دارها رغم أنّها في الغابة ، سأذهب إليها حالا ، وأسئلها.
فقطّبت محجوبة جبينها ، وصاحت : ويحك ، هل هذا وقت السّخرية ، فتلك الحشرة الخبيثة لا ينجو منها أحد إلا إذا ،
ظهرت الحيرة على وجه محبوبة ، وقالت لرفيقتها : تكلّمي فلقد بدأت أشعر بالقلق!
صمتت محجوبة برهة ثم قالت : أنت لا تعرفين كلّ شيء ، فمنذ قديم الزّمان والسّحرة الكبار يتصارعون مع جماعة من الرّهبان الذين يعيشون في جبل غير معروف ،
وهم فقط يملكون التّرياق : الزّهرة الشّفافة ، هذا يعني أنّ مروان تمكّن بطريقة لا أعلمها من الوصول إليهم.
أجابت محبوبة : وما يهمّنا منه ، إن لم نقدر على مروان ، سننتقم من أمّه وأبيه.
قالت محجوبة : لم تفهمي بعد ، هذه الجماعة قتلت كلّ السّحرة ، وجدّتي علمتني كلّ شيء قبل أن تموت ،
والآن هم يعلمون بوجودي ، وسيطاردونني ، لقد كانت فكرتي سيّئة جدّا ، فهذا السّحر هو الذي كشف أمري!
إسمعي سنراقب مروان ، وهو الذي سيقودنا إليهم ، وسأقتلهم قبل أن يعثروا علينا.
في الصّباح قال الفتى للسّلطان : لست في أمان في القصر يا مولاي ، فهناك عشرات الخدم ،
والنّاس تدخل وتخرج كلّ يوم ، الرّأي عندي أن تتنكّر أنت وامرأتك والأميرة ، وأحملكم إلى مكان بعيد لا يصله أحد!
ثم أرسلهم عند صياد السّمك في الغابة ، بعدما سبقهم إلى هناك أمّه وأبوه.
صارت محجوبة تغطي رأسها ، وتخرج وراء مروان ، لتعرف كيف وجد الزهرة الشفّافة ،
لكن لم تكن تعلم أن ذلك الولد أحس بوجودها بعد أن علّمه الشّيخ سرّ الساحرات ،
صار يعرف أنهنّ يعشن طويلا ، ويجدّدن شبابهن ، ولا تقتلهنّ إلا النّار ،
وطبعا محجوبة لا تعلم حقيقة مروان وأنّه من جماعة الأصابع الذّهبية!
إقرأ أيضا: قصة عن إمرأة لم تحب زوجها
ولكي يخدعها نحت تمثالين لأبيه وأمّه ، ووضع عليهما الثياب لدرجة أنه لا يمكن تمييزهم عن الأحياء ،
ووأجلسهما في النافذة ، ولمّا رأتهم السّاحرة كانت تعتقد أنّ أبويه في الدّار.
ذات يوم قالت : سأجبره أن يقودني إلى الرّهبان ، فتسلّلت إلى البستان ، وصبّت سائلا أحمر في البئر وقالت في نفسها :
من يشرب الماء سيمرض ويتساقط شعره ثمّ جلده ، وسيجري مروان لإحضار الزهرة وحينها سأقتل الرّهبان ، وأحرق تلك الزّهور اللعينة ،
وأنتقم لكل ما فعلوه في حقّنا.
في الصباح الباكر جاء مروان للبستان ليسقي الحيوانات ، ولما أراد ملئ الدلو رأى أنّ العصافير والفراشات لا تقترب كعادتها من الماء ،
فحكّ رأسه ، وقال : إنّها لا تفعل ذلك إلا لسبب ، ولا شكّ أنّها دسّت سمّا لمرض أبواي ، وأذهب للجبل فتتبعني ،
وتعرف مكان المغارة ، يا لها من خبيثة.
ستقضي على أعدائها بضربة واحدة ، لكن من حسن حظي أني تربّيت في الغابة ، وأعرف المخلوقات الصغيرة ، وتعلمت منها.
الليلة أيتها اللئيمة ستقعين في الفخّ الذي حاولت نصبه لي.
وفي المساء حفر حفرة عميقة وملأها بالحطب ، وأخرج التمثالين ، ونصبهما حول النّار وبدأ يشوي اللحم ،
ويغنّي ، واجتمعت للكلاب والقطط حوله وهي تموء وتنبح بسعادة.
جاءت محجوبة لتسمع الأخبار فلا شك أن غريمتها عيشوشة قد شربت من الماء هي وزوجها ،
وتريد أن ترى بعينيها كيف يسقط جلدها ولحمها ، وتستمتع بذلك.
لكنها لما أطلت على البستان رأت الزّوجين يشويان اللحم ويغنّيان ، وحولهما الحيوانات ، فتعجّبت ،
وقالت : ماذا يجري هنا؟ لا يوجد عليهما أي أثر للسم ، سأقترب وأرى ما يحصل!
إقرأ أيضا: إصنعي مع طفلك شوربة المسامير
اختفى مروان وراء شجرة ، ولمّا أصبحت مقابل التّمثالين أخرجت مسحوقا أبيض ،
وصاحت سنرى إن كنتما ستنجوان هذه المرّة!
خرج مروان ورائها ، وقبل أن تتحرك دفعها بقوة في ظهرها فسقطت في الحفرة العميقة ، التهمتها النيران ،
وفي الفجر جمع الرّماد في كيس ودفنه في الغابة أمّا محبوبة ، فانتظرت أيّاما ، ولمّا لم تأت رفيقتها ، قالت : سأبيع الدّكان وأرحل!
لكن سمعت صوتا ورائها يقول : عندما تغرق السّفينة تفرّ الجرذان ، ولكن لا تقلقي ستكونين في ضيافتنا ،
ولن ترين ضوء الشّمس أبدا ، ولمّا التفتت رأت مروان يحيط به الحرس ، وقال لها : آه ، نسيت!
رفيقتك محجوبة تحوّلت إلى كومة رماد ، وأنا الحارس الأخير لمغارة الزّهور ، ذو الإصبع الذّهبي.