العقاب المتكلم قصة قصيرة
يحكى في قديم الزمان أن رجلا حكيما يعيش في البراري يتعلم من أسرارها ،
وكل ما هو شفاء للناس عن طريق الأعشاب النادرة الموجودة في سفاح الجبال وأرجاء الغابات.
وفي إحدى الأيام وجد على حافة الجبل عشا به بيضة لا تشبه كل البيوض التي رآها من قبل.
فأراد أن يعلم من الكائن الغريب الذي يلد بيضة كهذه.
فاختبأ غير بعيد ينتظر إحدى الحيوانات أو الطيور التي لها علاقة بتلك البيضة.
ولكن مع مرور الدقائق والساعات حتى الأيام لم يظهر لتلك البيضة ولي يتولاها.
وبما أن الحكيم كان مهتما وفضوليا بعض الشيء لها.
بات قرابة ثلاث أيام على التوالي ولا يفعل سوى أنه يراقبها ولم يظهر حولها أثر من يكون له شأن بها.
فلم تطوع له نفسه أن يتركها هكذا دون حراسة.
فقرر أن يكون قريبا أكثر من البيضة كي يهتم بها قبل أن تؤكل من بعض الحيوانات ، ففضل أن يحملها معه في رحلته.
فلفها بقطن ناعم ووضعها في حقيبته الظهرية.
وكل فترة يتفقدها حتى لا تتأذى من أي شيء قد يشقق جدارها الخارجي وتضيع كل مجهوداته هباء ،
من أجل أن تنجح بتفقيص البيضة دون خطأ ورد منه غير قاصد إياه.
وفي أحد الأيام بينما الحكيم ملته بنزع عشبة برية تحت أسفل النهر ،
وإذ بصوت غريب يخرج من حقيبته الملقاة على الأرض أمامه.
فتيقن انه حان الوقت ليخرج ذاك الكائن للحياة.
وما إن فتح الحكيم الحقيبة حتى قفز إليه طائر بجناحين صغيرتين على قميصه.
فانتفض الحكيم منه في باديء الأمر ، ولكن بعد برهة حمله ما بين يديه يداعبه مبتسما وكم كان جميلا في منظره.
طائر لونه أخضر ذوا عينين ثاقبتين ينظر إلى الحكيم بدوره بتمعن وكأنه يريد أن يتعرف على والده الذي يتكفله في تلك اللحظة.
إقرأ أيضا: أصبحت أستاذا بالجامعة بسبب إلتفاتة جاري في الصلاة
لم يكن على الحكيم صعوبة بتولي مهام تربية العقاب.
حيث كان يوفر له الدفء والطعام حتى كبر جسده بسرعة وبسطت جناحيه العملاقتين ،
التي أصبح يحلق بهما في عنان السماء بكل خفة وسهولة.
ولكن كل هذا عادي بالنسبة لمراحل تكوين أي طائر حتى يكبر ويستطيع أن يوفر طعامه بنفسه.
الغير عادي في الموضوع أن الطائر يتكلم مثله مثل أي إنسان ناطق.
واكتشف ذلك الحكيم في بداية نموه.
إذ كان الحكيم يخاطبه كأنه صديقه الذي يفقد وجوده في سائر يومياته.
فكان الطائر يعيد بعض من كلام الحكيم ، حتى بعد مرور الأيام والشهور أصبح يتقن لغته ويرد على كلامه بكل سهولة.
تعود الحكيم على وجود العقاب معه في حياته ، فوجد سهولة في التنقل على بقاع الأرض.
فالعقاب هو الذي أصبح يرشده على الأمكنة التي توجد بها النباتات النادرة.
حتى أنه أصبح يعرفه على الأماكن التي بها الأوبئة حتى يساعد شعبها على شفائهم ،
بواسطة تلك الخلطات العشبية النادرة الشافية لبرصهم.
شاعت معجزة حكمة الحكيم وطائره الغريب في شفاء البشر ما بين أرجاء الأرض.
فأرادوا أن يكيدوا له كيدا ويملكون ذاك الطائر العملاق البهي ، إعتقادا منهم أنه هو من له بركة في شفاء الناس.
عندما زارهم الحكيم ذات يوم بغية منح أفراد شعبها العلاج اللازم لظاهرة الطاعون ، التي كادت أن تقضي على شعبها ،
فنجح في وقف تفشي المرض.
واستطاع أن يشفي أغلبية أفرادها.
فلم يصدق أفراد المدينة أن هناك علاج يساعد بشفائهم بما أنهم جربوا كل الأدوية المتاحة لهم.
سوى هي مجرد تعويذة سحرية أخذها الحكيم من الطائر الذي يلازمه في كل تحركاته.
فاتفقوا على خطة أن يقتلوا الحكيم ويمسكوا العقاب ليكون إلاههم الذي يحرسهم من كل الأوبئة والمخاطر التي تقضي على حياتهم.
إقرأ أيضا: شبح جوسكو
وبالفعل نصبوا للحكيم كمينا وأسقوه ماء مسموما ألقي على الفور صريعا ،
وحاولوا بعدها على الفور إمساك العقاب بالشباك والسهام التي تعيق تحركاته حتى لا يحاول الفرار والتحليق عاليا ،
لكن العقاب ما إن رأى صاحبه ودرب حياته كلها ممرغ على الأرض لا حراك له ،
جن جنونه وأصبح يصدر صوتا مدويا من منقاره كاد به أن يطيش مسامع من حوله.
فتركوا وألقوا أرضا كل وسيلة أرادوا بها إمساك الطائر وسدوا أذانهم بكلتا أياديهم.
وفي دقائق معدودات كانت السماء مليئة بالنسور والصقور المختلفة أشكالها ،
ترمي من فم منقارها عقارب سوداء سامة تحذفها على سكان المدينة الذين قاموا بقتل الحكيم من بعد تقديمه لهم العلاج الشافي لهم.
لم يمضي وقت طويل حتى أبيد كل سكان القرية تحت فوضى من صراخهم ،
وتحت أيضا وطأة الهلع والفرار من لسعة الموت.
ولكن لعنة الموت أصابتهم أخيرا بسبب فعلتهم الشنيعة التي لا تغتفر بقتل الحكيم الطيب.
حزن العقاب حزنا شديدا على فراق صاحبه وحمل الحكيم بمنقاره وأخذه ليدفنه تحت جبل شامخ ،
كان ذاك الجبل هو أول مكان رآه به عند خروجه من البيضة للحياة.
وتقول الأسطورة أن العقاب ظل على منهاج الحكيم بوحيه له عن العلاج الشافي في منامه.
وفي اليوم التالي يجول في الأرض يساعد القرى بإمدادهم الأعشاب تلك التي رآها بالمنام سابقا للمرضى ،
وذلك بتركها على رأس المريض ليلا دون أن يراه أحد ،
ثم يعود بعدها محلقا إلى مكانه المعهود.
مستقرا على نفس رأس الجبل المدفون بأسفله صاحبه الحكيم.
وبعد قضاء قرون لم يعد يذكر له حسا لذاك العقاب الغريب.