العقل والمال
العقل والمال
كان العقل والمال يسيران معا في طريق واحد ولكن سرعان ما اختلفا ، وأخذ كل منهما يفتخر بنفسه.
فقال المال أنا الذي أجلب السعادة للإنسان في تمكينه في الحصول على كل ما يريد ،
وقال العقل بل أنا الذي يجلب له السعادة من خلال تمكينه من حل كل ما يعترضه من مشكلات.
وكان في الطريق رجل مسافر فقال العقل للمال ما رأيك في أن نجرب هذا الرجل ،
سأتخلى لك عنه ونرى مبلغ حظه من السعادة بعد إذ فقال المال تنحى عنه وبالفعل تنحى العقل عن الرجل واتبعه المال واتبع مصيره.
ولم يكن الرجل يمشي خطوات حتى وجد في الطريق الجواهر الثمينة البراقة فحملها وهو في غاية السرور ،
سمع الرجل صوت بوق يدوي من بعيد فمشي فوجد غبارًا كثيفًا وموكبًا يتقدم نحوه فتوقف يستريح.
وكان هذا هو موكب السلطان الذي خرج من قصره يتفقد أحوال البلد والرعية بعد حرب طاحنة قُتل فيها وزيره وقائد جيشه ،
ودمرت قرى كثيرة وأفرغت خزينة الدولة وهلك عددُ كبيرُ من الرعية ،
ولما بلغ الموكب الرجل استدعاه السلطان لكي يسأله عن حاله فوجد معه الجواهر الثمينة ثم قال الحمد لله الذي جعل في مملكتي ما يعوضها عن الخسائر التي لحقت بها ،
ثم التفت السلطان للرجل وسأله عن اسمه فابتسم له الرجل وقال محمود ،
وقال له السلطان إن لك مكافأة عظيمة يا محمود فاركب معنا.
وعاد السلطان ومن معه إلى القصر ، وبعد وصول السلطان القصر انتشرت الأخبار عن وجود رجل غني مع السلطان اسمه محمود ،
يملك مالًا كافيًا لإعمار البلاد وإعادة الحياة والازدهار فيها ،
وسرعان ما امتلأت ساحة القصر بالوفود وعلت الهتافات ، وانتشرت حلقات الرقص.
وبعد الظهر دخل كبار الزوار القصر وجلسوا في غرفة الطعام فمرت الفتيات الجميلات يوزعن الورود ،
وكان كل منهم يأخذ الوردة ويثبتها في معطفه.
إقرأ أيضا: رجل إضطر أن يقترض مبلغ من أحد التجار
أما محمود فلم يفطن لذلك بل تناول الوردة وأكلها ، وتعجب جميع الحضور ولكن لا أحد يصرح بذلك لهيبة السلطان واحترامه ،
ثم قُدمت لهم أطباق اللحم والأرز والفاكهة ، فأكل الجميع وأكل محمود ،
ولكنه كان يدس اللحم والفاكهة في جيبه بين الحين والأخر وتعجب الحاضرون من فعله.
وفي المساء كانت الأميرة الجميلة في انتظار محمود ، فلما دخل مخدعها لم يسلم عليها ،
بل بادر إلى ضربها فهربت منه وهي تصيح وتبكي حتى بلغت أباها السلطان وأخبرته بما فعل محمود ،
فاستشاط غضبًا وأمر بإعدامه شنقًا فأخذه الحراس وألقوه في السجن لحين وصول الجلاد.
قال العقل للمال أرأيت ما وقع به محمود فقال المال نعم أيها العقل قد ينفذ فيه حكم الإعدام قال العقل نعم ،
فقال المال وهل تستطيع أن تفعل شيئًا من أجل إنقاذه.
فَقال العقل دعني أجرب قدراتي فقال له المال سوف أتخلى لك عنه فورًا.
وشعر محمود بحركة في رأسه فقد استرد وعيه وقال للجلاد لا تعجل بقتلي بعد حين يسكت غضب السلطان ويرضى عني وربما انتقم منك ،
دعني أكلمه لحظة وأوضح له كل شيء.
فساق الجلاد محمود وهو مكبل اليدين ، ولما مُثل أمام السلطان قال إن عدلك ورحمتك يأبيان عليك إعدام روحي البريئة ،
فقال له السلطان ليس لديك عقل فقال محمود اختبريني.
فقال له السلطان ألم تأكل الوردة فقال نعم ، ولكني لا أكلها من جوع ،
فالوردة كما يعلم مولاي رمز المحبة وأنا لم أرد أن تكون محبتي لك أمرًا عابرًا فأشمها وألقيها فأردت أن تصبح جزءًا من دمي وقلبي.
فقال له السلطان وماذا عن اللحم الذي كنت تدسه في جيبك.
فَقال إن لي أمًا عجوز لم تتمكن من الحضور لضعفها ووهن عظامها فأحببت أن تشاركني أطيب أكل أكلته في حياتي ،
ولكن كيف تجرأت وضربت إبنتي الأميرة.
إقرأ أيضا: قصة عيد ميلاد المعلمة
فقال محمود لم يكن ذلك عن إهانة معاذ الله إنما أردت أن أُعلم الأميرة أنها قد انتقلت لحياة جديدة ،
يكون لزوجها فيها مكانة مختلفة عن خضوع العبيد الذين عرفتهم من قبل ثم إن ضرب الحبيب زبيب يا مولاي.
فقال لا أحب أن تأكل إبنتي زبيب ، ولكن من أين لك هذا العقل الذي لم أعهده فيك من قبل.
فَقال هذا من رضا ثلاث فقال له السلطان من هم قال الله ووالدتي وجلالة السلطان ،
فقال له أحسنت أنت وزيري حقًا يا محمود.
وكانت الأميرة تسمع الحوار وتعجب لأدب محمود وظرفه فرضيت عنه وتزوجا وعاشا في أحسن حال وأسعد بال.
ثم قال العقل للمال أريت مبلغ السعادة الذي بلغه محمود فقال المال ماذا تعني ،
قال العقل إنه سعيدُ جدًا والناس سعداء ، فقال المال وهذا بفضلك وحدك.
فَقال العقل لا لم أقل ذلك نحن متفقان على أن لكل منا دورًا في سعادة الناس.