الغولة الجزء الرابع
الغولة الجزء الرابع
كانت تلك العجوز هي الغولة تأكل البشر وتعيش في ذلك المكان مع طفليها وهما ولد وفتاة يتساويان في عمريهما مع عمري الطفلين اللذين يجهلان حقيقتها.
وكانت ما أن فتحت الباب وشاهدتهما حتى منت نفسها وطفليها بوجبة غذائية دسمة ،
فخرجت وجرتهم إلى المنزل وبالغت في إكرامها مما جعل الفتاة ترتاب في أمرها.
فقالت الغولة متسائلة : من أين جئتما يا أبنائي وأين هم أهلكما الذين تركوكم تسيران في هذا الطريق الموحش لوحدكما.
لم تجد الفتاة رغم حذرها من المبالغة في الحفاوة التي قابلتهما بها الغولة بد من أن تروي لها قصتهما كاملة ،
عساها بذلك تستطيع أن تنتزع العطف من قلب الغولة التي قالت معقبة على كلام الفتاة :
الله لا يرحم أبوكما ولا سامحه ، سمع كلام خالتكما وطردكما من البيت من أجلها.
اجلسوا هنا عندي يا أبنائي فالبيت كبير وخير الله واسع ، عيشوا مع أبنائي وسأعتبر أن الله رزقني أربعة أطفال بدلا من الإثنين.
تظاهرت الفتاة بالفرح لعرض الغولة وبقيت مرتابة منها في أعماقها ، وأخذت تراقب تصرفها بحذر ،
لترى ماذا هي صانعة بهما ، خاصة وأنهما لم يكونا يعرفان أين سيبيتان ليلتهما إذا ما باتا عندها.
كانت الغولة تقدم لهما عرضها السخي بإقامتهما مع طفليها في بيتها ،
وهي تتشوق لهبوط الظلام لكي تبدأ في مداعبتهما مع أطفالها ومسامرتهم معا ليناموا مبكرين ،
لتقوم بقتلهم أثناء نومهم وشويهم ثم أكلهم.
إلا أن الخوف بقي يساورها من حدوث التباس لديها يجعلها لا تميز بين الطفلين العابرين وبين طفليها المتقاربين في أعمارهم ،
فتقوم بقتل أبنائها بدلا منهما خاصة والأربعة ينامون معا.
بدأت تحدث نفسها : لابد من وضع علامة تميز بينهم قبل أن يناموا لأتعرف على الطفلين في الظلام.
إقرأ أيضا: المتاهة العجيبة الجزء الأول
حدثت بذلك لنفسها وقامت تبحث عن العلامات التي ستضعها على الطفلين لتميزهما عن طفليها ،
واستقر رأيها على وضع الحناء على أقدام أبنائها ووضع الرماد على أقدام الطفلين الغربيين.
ثم أحضرت إنائين رابت في أحدهما حنا ورابت في الآخر الرماد وحملتهما إلى مكان الأطفال فقالت الغولة تخاطب الفتاة :
كم رق قلبي لكما وتأثرت نفسي لحالتكما
ولا شك أن طول الطريق وكثرة المشي قد آلم أقدامكما ،
لذا فقد عجنت لكما حنا لأطلي بهما أقدامكما فالحناء سيمتص آلامها وسيجعلكما تنامان مرتاحين.
وأردفت تقول : بعد ما عجنت لكما الحناء خفت من أن يبكي أولادي ويقولون أني لم أعد لهما،
أحبهم مثلما أحبكما فعجنت لهما الحناء في إناء آخر.
أجابتها الفتاة تقول لها : لا داعي لهذه العناية كلها يا أماه يكفينا أنك أطعمتنا وآويتنا وهذا خير كثير منك.
فردت عليها الغولة مستنكرة قولها : أستغفر الله يا ابنتي ماذا عملت لكما كي تقولي هذا.
أنا لم أعمل لكما أي شيء ، أنتما مثل أبنائي وكم سيكون سروري لو رضيتم البقاء بيننا تعيشان مع أبنائي.
فردت البنت على عرضها بأدب قائلة : ونحن قد فرحنا برؤيتك يا عمتي وذكرتنا معاملتك الطيبة لنا بالمرحومة أمنا ،
وإن قررنا البقاء هنا لنعيش معك في بيتك فلن نحس إلا أننا نعيش بجانب أمنا وفي البيت الذي ولدنا فيه.
فرحت الغولة بكلام الفتاة وارتاحت واطمأنت لها وتوهمت أنها قد تمكنت من خداع الفتاة وأخيها فقالت تجيبها :
البيت بيتكما يا أبنائي وأنا أمكما وأبنائي هم إخوانكما.
قالت ذلك وطلبت من الفتاة أن تمد رجلها لها مع رجلي أخيها ،
فمدا لها الطفلان أرجلهم ، وأخذت الغولة تطليهما بالرماد ثم قامت بحملهما وأرقدتهما في زاوية البيت ،
وعادت إلى طفليها وقامت بطلاء أقدامهما بالحناء وحملتهما ليناما بجانب الطفلين ،
ثم ودعتهم منصرفة إلى حجرة نومها الملاصقة لحجره نومهم.
إقرأ أيضا: صانعة العرائس
تظاهرت الفتاة بالنوم وطلبت من أخيها أن يتظاهر بالنوم مثلها ،
وما أن ذهبت الغولة إلى حجرة نومها وأطفأت السراج الذي يضوي المنزل حتى قامت الفتاة وأخذت تنزع الرماد عن قدميها وقدمي أخيها ،
وقامت بعدها بنزع الحناء من أقدام أبناء الغولة ووضعت لهما الرماد على أقدامهم ،
ثم قامت بوضع الحناد بدلا عن الرماد على قدميها وقدمي أخيها ،
وبسرعة قامت بحمل أبناء الغولة واستبدال مكان نومهما بمكان نومها هي وأخيها ونامت مع أخيها في مكان أبناء الغولة.
وبقيت الفتاة مستيقظة تراقب تصرفات الغولة بحذر شديد.
عندما أيقنت الغولة متوهمة بأن الأطفال قد استغرقوا في النوم ،
قامت من مكانها خلسة وأخذت تتحسس طريقها إلى حجرة نوم الأطفال بحذر ،
وأخذت تشم رائحة أقدامهم في الظلام للتعرف على فريستها ،
وراحت تميز بين الرماد والحناء ، وبعد أن تأكدت راحت تضغط بيدها على عنق الطفلين لتزهق أرواحهم واحد بعد الآخر ،
معتقدة بأنهما الطفلين الغريبين.
وقامت بحملهم إلى الموقد والذي كانت قد أعدته مسبقا وقذفت بهما داخله لتشويهما ،
لتتعشى منهما وتترك الباقي إلى صباح اليوم التالي وليتناول منه طفليها.
بقي الطفلان يرقبان في الظلام تصرفات الغولة وقيامها بخنقها لطفليها وخوف شديد يتملكهما ،
وبقيا متسمرين في مكانهما حتى اطمأنا إلى انشغالها في المطبخ.
فقاما من مكانهما وتسللوا هاربين خارج البيت قبل أن تكتشف أمرهم ، وتعرف بأنها قتلت طفليها وأكلت من لحمهما ،
وتقوم بالانتقام منهما وقتلهما.
أخذ الطفلين يستحثان خطاهما في الوادي الفسيح وكان الخوف يمدهما بطاقة من النشاط ،
كلما تصورا الغولة تصنع بهما ما صنعت بطفليها.
إقرأ أيضا: حكاية الدلال يخلّف الهبال الجزء الأول
وكانا أثناء سيرهما يتلفتان ورائهما بين الحين والآخر خوفا من أن تكون في إثرهما.
وما كادت الشمس ترسل أشعتها إلى الوادي حتى شاهدا شبح الغولة تجري وراءهما ،
فراحا يعدوان بأقصى سرعتهما وهي تجري خلفهما محاولة اللحاق بهما حتى وصلا إلى نهاية الوادي ،
الذي كان يسده صخرة كبيرة وقفا أمامها حائرين.
فحاولا تسلق الصخرة مرات عديدة ولكن دون جدوى فخشيا من أن تلحق بهما الغولة ،
وبينما هم على هذه الحالة نظرت الفتاة إلى أعلى الصخرة فرأت راعيا شابا يراقبهما من مكانه بصمت.
فقالت له الفتاه متوسلة : أرجوك ساعدنا على الطلوع لأن الغولة تجري وراءنا وتريد قتلنا وأكلنا أنا وأخي ،
ثم قصت عليه ما جرى لهما مع الغولة.
إلا أن الراعي الذي كان قد أعجب بجمالها ووقع في حبها اشترط عليها قبول الزواج منه مقابل مساعدتهما ،
فردت علية الفتاة : نعم إذا ساعدتنا وخلصتنا منها سأتزوجك.
فرح الراعي بموافقتها على الزواج منه فرمى لها حبلا طويلا ربطته إلى ظهر أخيها وأمرته أن يمسك به بكلتا يديه ،
فشده الراعي إليه وأخذ يوالي الشد إلى أن وصل الولد إليه أولا ،
ثم نزع الحبل منه ورمى به إلى الفتاة التي لفت الحبل حول نفسها وتمسكت به وراح الراعي وأخاها يشدان الحبل ،
حتى وصلت إليهما فرحة بنجاتها.
وصلت الغولة إلى أسفل الضاحة وأخذت تبحث عن الطفلين والراعي يشاهدها من أعلى الصخرة ،
وهي تدور حول المكان وتفتش بين الصخور المتناثرة فسألها قائلا : عمن تبحثين.
رفعت الغولة رأسها إليه وأجابته قائلة : أبحث عن طفلين قتلا أطفالي وهربا هل رأيتهما؟
فرد الراعي عليها قائلا : إذا كان من تعنين فتاة وولد صغير فقد رأيتهما يتسلقان الصخرة ثم راحا لسبيلهما.
أخذت الغولة تتفحص الصخرة بعينيها لترى ما إذا كان بمقدورها تسلقها فرأت استحالة ذلك.
إقرأ أيضا: قصة قيدني يا أبي
فقالت للراعي : ولكني لا أستطيع تسلقها وحدي أرجوك ساعدني على ذلك.
فرد عليها قائلا : حاولي تسلقها بنفسك مثلما عملا فلو أنك قمت بجمع الأعشاب والحطب والحشائش أسفل الصخرة ،
حتى ترتفعي إلى حيث أقدر أن أساعدك على الطلوع ، أسحبك بحبلي القصير.
استحسنت الغولة رأيه وراحت تجمع الحطب
والأعشاب وتراكمها فوق بعضها أسفل الصخرة ،
حتى جمعت قدراً كبيراً منها فاستقامت فوقها وهي فرحة بمساعدة الراعي الذي راحت تتطلع إليه.
ألقى لها الراعي بطرف الحبل وأمرها أن تربطه حول نفسها بإحكام لئلا تسقط ،
منه ثم راح يشدها إلى الأعلى حتى ارتفعت عن الحطب ثم تركها معلقة في الهواء ريثما أشعل النار في الحطب والحشائش التي تحتها ،
فارتفع اللهب من تحت الغولة وهي تصيح وتستغيث وتطلب من الراعي إنقاذها ،
إلا أن الراعي ترك الحبل يفلت من يديه لتسقط الغولة على النار المشتعلة تحتها.
أطلت الفتاة وأخوها من السفح ووقفا بجانب الراعي يشاهدان الغولة وهي تحترق ،
استمرت ترفع صوتها مستغيثة بالراعي لينقذها من الحريق ولكن دون جدوى ،
وبقوا جميعا يراقبونها من مكانهم حتى أكلتها النار فانصرفوا عندها عائدين إلى بيت الراعي وهم يسوقون الأغنام أمامهم ،
وتزوج بعدها الراعي من الفتاة ليكونوا معا أسرة واحدة فكانت الفتاة تعتني بشؤون البيت والولد يساعد الراعي في الرعي.
الجواب قبل السؤال ما حدث بعد موت الغولة وأبنائها؟
كان الغول في مكان بعيد للصيد عندما عاد وجد بقايا من العظم تخص أولاده فبدأ يشم ،
فوجد هناك رائحة للبشر وخصوصا الأطفال.
إقرأ أيضا: قطة الرماد الجزء الأول
فخرج مسرعا يبحث عن زوجته الغولة فوجدها قد إحترقت ،
وعندما نظر إلى الأعلى رأى من المستحيل أن يصعد هناك فحزن ورجع إلى البيت.
في طريق عودته إلتقى في الطريق إمرأة كانت تبحث عن طفلين هل هما ما زالوا على قيد الحياة أم لا.
طبعا إنها زوجة والد الأطفال إلتقت بالغول وكان حنون معها في الكلام ،
فسألته هل رأى طفلين قد ضاعوا في الغابة وهم أولادها.
فقال لها إنهم مع أولادي في بيتي وزوجتي تعتني بهم مثل أطفالها.
قال ذلك وهو يعلم أن تلك الأطفال هم السبب في موت الغولة وأولاده.
دخلت المرأة فلم تجد إلا العظام فقد تفاجأت بذلك ،
وبينما هي تريد الهرب حتى إنقض عليها الغول وانتقم من موت عائلته.
وهكذا كانت نهاية زوجة الأب الظالمة لأولاده وأخدت جزائها ، فعرف الراعي قصتها وحكي لزوجته وأخاها.
في أحد الأيام ذهبول ليبحثو عن والدهم وجدوه مريض ومقعد في البيت يرى بعين واحدة ،
فندم على ما فعله لأولاده وطلب السماح منهم وقال لهم ما حدث هو بسببهم وأنه أخد جزائه أيضا.