الغولة وابن الملك الجزء الأول
الغولة وابن الملك الجزء الأول
كان لأحد الملوك ثلاثة أولاد في غاية الجمال والأدب ، وقد بنى لهم قصراً من زجاج ووضعهم فيه ، ولم يسمح لهم بالخروج خوفاً عليهم ،
وكانت إحدى الخادمات تأتيهم بطعامهم في كل يوم ، وهو عبارة عن بيض لا قِشْرَ فيه ، ولحم لا عظم فيه ، وفجل لا ورق فيه.
وظلت هذه الخادمة تأتيهم بطعامهم وتخدمهم فترة طويلة حتى توفاها الله ،
فصارت تأتيهم بطعامهم خادمةٌ جديدة فأتت لهم بالبيض وقشره فيه ، واللحم وعظمه فيه ، والفجل ورقه فيه.
فقالوا لها لماذا تأتينا بالطعام على هذه الصورة ، وقد تعوّدنا أن يصلنا البيض لا قشر فيه ، واللحم لا عظم فيه ،
والفجل لا ورق فيه ، فقالت لهم : تُقشِّرون البيض فتتسلون بتقشيره ، وتأكلون اللحم وتمصمصون العظم فتتسلون بذلك ،
وقد يعجبكم ورق الفجل فتأكلون منه.
فقالوا لها: نِعم الرأي فعلت ، وأنت على حقّ في ذلك.
واستمرت الخادمة تأتيهم بطعامهم على هذه الطريقة مدةً من الزمان.
وفي إحدى المرات رمى أحدهم بالعظم فكسر زجاجة من زجاج القصر وعمل فجوة صغيرة فيه ،
فنظروا من خلالها إلى العالم الخارجي ، وإذا هناك بيوت وأناس ودواب وأراضٍ خضراء ، فأعجبهم ذلك المنظر ،
وقالوا لماذا نحن في هذا السجن.
وعندما أتتهم الخادمة قالوا لها قولي لأبينا ، إذا كنا بنات نريد أن نتزوج ،
وإذا كنا أولاداً نريد أن نتزوج ، وإذا كنا زرعا نريد أن نُحصد.
فأبلغت الخادمة أباهم الملك بذلك ، فذهب إليهم وقال لهم سأزوجكم ،
وغداً سآمر جميع بنات المملكة بالمرور من تحت هذا القصر ، وإذا أعجبت أحدكم واحدة منهن فليرمها بحبة تفاح ، وسوف أزوجها له.
إقرأ أيضا: رواية أطفال الغابة الجزء الأول
ومرّت البنات ، جميع بنات المملكة مررن من تحت القصر ، وكان أولاد الملك يتفحصون بأنظارهم تلك البنات ،
ورمى أكبرهم واحدةً بحبة تفاح ، وبعد فترة ، رمى أوسطهم حبة التفاح على فتاة أخرى ،
أما الصغير فلم يرم بحبة التفاح التي كانت معه.
وأمر الملك البنات أن يمررن مرةً أخرى ففعلن ، ولكن الإبن الأصغر لم يرمِ إحداهن بتفاحته ،
وكانت هناك فتاة تخلّفت عنهن فأمرها الملك بالمرور فمرّت ، فرمى ابن الملك تفاحته عليها ،
فكانت البنتان التي رماهما الأخوان الأكبر والأوسط ابنتي عميهما ، أما التي رماها الإبن الأصغر فكانت “غولةً”.
وزوج الملك أبناءه ودخل الأخوان الأكبر والأوسط على عروسيهما وخرجا للناس ، أما الأصغر فلم يخرج ،
وبقي ثلاثة أيام دون أن يخرج.
فقلق والده الملك وأهله عليه ، وفي الليل تسلّل أبوه ونظر من خلال فتحة في القصر فرأى ابنه مرمياً على ظهره وعلى صدره رحىً ثقيلة ،
وغولة عيونها صفراء كالنار تديرها وتجْرُشُ عليها.
ففزع الملك مما شاهدت عيناه وفرّ هاربا ، وأمر جميع قبيلته بالهروب في جنح الظلام ،
ولم يبقَ خلفهم سوى فرس عجوز هرمة.
وعندما أتى الصباح لم يبقَ لهم أثر في المكان ، وعاد الإبن الأصغر إلى وعيه وطلب من زوجته الغولة أن تسمح له بالخروج ليرى النور ولو لفترة قصيرة.
فقالت له : لا تحاول أن تهرب ، لأنك لو هربت خمسة أعوام فأنا أقطع هذه المسافة في خمسة أيام ،
وسمحت له بالخروج فرأى النور ولم يرَ أحداً من أهله وقبيلته فتعجّب لذلك ،
ورأى الفرس الهزيلة وأراد أن يركبها ويهرب من المكان ، فنطقت الفرس وتكلمت وقالت له :
أنا فرس هزيلة ولا أستطيع الجري ، وإن هربنا فسوف تلحقنا الغولة وتأكلنا معا.
وكانت مع الفرس مُهرة صغيرة ، فقالت له : خذ هذه المُهرة واركبها ، وستكلمك المهرة كما كلمتك أنا ،
وخذ معك هذه العيدان الثلاثة ، وهي عود أسود ، وعود أحمر ، وعود أبيض ،
إقرأ أيضا: الغولة وابن الملك الجزء الأخير
وعندما تلحقك الغولة ارمِ بالعود الأسود ، فينبت بينك وبينها شوكٌ كثيف يُعيقها إلى حين ، فتبتعد عنها ،
وَعندما تلحقك مرة ثانية ارمِ بالعود الأحمر ، فتهب نيران بينك وبينها تعيقها إلى أن تبتعد عنها ،
وعندما تلحقك للمرة الثالثة ارمِ بالعود الأبيض فيصبح بينك وبينها سبعة بحور وهكذا تتخلص منها نهائياً.
وفعل الإبن الأصغر ما أشارت به الفرس العجوز وركب المهرة وأخذ العيدان الثلاثة وهرب.
وانتظرت الغولة أن يعود زوجها ولكنه تأخّر وأبطأ عليها فخرجت تبحث عنه وعندما تأكد لها أنه هرب منها ،
لحقت به مسرعةً حتى اقتربت منه ، فرمى بالعود الأسود فسدّ بينه وبينها شوكٌ كثيف وما استطاعت أن تخلّص نفسها منه إلا بعد جهد ،
وقد أصبح على مسافة بعيدة عنها ، ولحقت به للمرة الثانية وعندما اقتربت منه رمى بالعود الأحمر ،
فشبّت نيرانٌ عالية وحالت بينها وبينه. وما أطفأت قسماً منها ، وفتحت ممراً لها ،حتى أصبح على مسافة بعيدة عنها.
وعندما لحقت به للمرة الثالثة واقتربت منه ، رمى بالعود الأبيض فسدَّ بينه وبينها سبعة بحور ، وهكذا تخلص منها نهائياً.
سار ابن الملك على مهرته وحيداً في البراري
بعد أن أمن شرَّ الغولة.
يتبع ..