قصص منوعة

الفتاة المتحولة

الفتاة المتحولة

في يوم من الأيام كانت فتاة تقطن في قرية ريفية الفقر والهم يلزمها منذ زمن.

في تلك القرية توجد بركة مياه ملوثة وغير صالحة للشرب ،

ولكن كلما جفت الآبار يلجأ لها أصحاب القرية ، ومنهم بطلة قصتنا لهذا اليوم.

نورية تبلغ من العمر 22 من العمر متوسطة الجمال مخطوبة لإبن خالتها غصبا عنها الذي يكبرها بعشر سنوات ،

وبما أنها مؤدبة وخلوقة وبارة بوالديها لم تستطع إخبار أحد بما يجول في داخلها من جهة خطيبها والذي تكرهه كره العمى.

فنورية منذ صغرها لا تود ولا تطيق إبن خالتها من شكله ذوا البطن المنتفخ وطباعه المستفزة وبعض الخشونة في تعامله ،

ولكن القدر سلطه عليها ليكون نصيبها ،
فرضت به وصمتت دون شكوى منها أو تذمر.

وفي أحد الأيام أرادت نورية أن تستسقي من تلك البركة فتملكها العطش لتغرف بيديها الماء وتشرب حفنتين منه ،

وعندما عادت لمنزلها أصبح بطنها يؤلمها فلم تعر للموضوع إهتماما ظنا منها أن طعام الغذاء لم تهضمه جيدا ليحدث لها مغصا طفيفا.

وعندما دقت الساعة السابعة وراء أذان المغرب
زاد ألم بطن نوريا الذي لا يحتمل فأصبحت تتقلب وتتمرغ في الارض يمينا وشمالا ،

ومن شدة المغص لم تستطع أن توصل صوتها لوالدتها ، وبعدها فجأة توقف الألم ووقفت نورية كالخشبة منتصبة.

وجهها شاحب يميل للإصفرار وعينيها براقتان تحولتا لنار مشتعلة ، ثم توجهت لسريرها لتمدد جسدها عليه وعينيها مفتوحتان وكأنها تسترق السمع ما وراء جدران غرفتها.

إقرأ أيضا: العرس

وعندما مرت الساعات توقفت ثانية نوريا من جديد وتوجهت هذه المرة نحو الباب الخارجي دون أن يسمع منها حس أو ضجيج ،

خرجت في عز الليل عن غير عادتها في الظلام الحالك ولم تخف من نباح الكلاب وعوي الذئاب ،

تسير بخطى ثابتة منتصبة قامتها وكأنها منومة مغناطيسيا متجهة نحو الإصطبل الذي ينام فيه خطيبها في الصيف ليحرس القطيع من أكل السباع لها.

دخلت نورية المكان الذي يضجع فيه خطيبها وانقضت عليه كلبؤة مفترسة خانقة إياه بكلتا يديها حول عنقه دون أن يرمش لها جفن.

والذي بدوره لم يستطع أن يدافع عن نفسه من كثرة قوة نورية وشراستها المخيفة.

لم يمر إلا بضع دقائق إلا وخرجت أنفاسه إلى خالقها ، وعادت نورية إلى سريرها وكأن شيئا لم يكن.

في صباح يوم الجريمة إستيقظت نورية على أصوات عويل والدتها وأختيها إثر سماعهم بالخبر ،

1 3 4 10 1 3 4 10

فنهضت مسرعة نحوهم فأخبروها أن خطيبها قد توفي إثر سكتة قلبية.

فسقطت نورية مغشية عليها بسبب الفاجعة التي تلقتها دون أن تتذكر فعلتها بالأمس.

حزنت كثيرا نورية على فقدان إبن خالتها فرغم عدم حبها له فسيبقى دمه من دمها.

كان أجواء العزاء عند خالتها فيه إستنكار للحدث ، فهو رجل قوي وصحته جيدة لا يشكوا من أي شيء.

وبعضهم شك في أن أفعى سامة لدغته فكان هلاكه المحتم.

ومن بين الأشياء التي سمعتها نورية وهي تقدم القهوة للذين حضروا التعزية صديقة أخت المرحوم وهي تهمس لها بعض الشيء إن خطيبته هي نذير شؤم عليه.

فمنذ خطبته إياها وهو ليس بخير من كثرة المشاكل التي باءت أموره بالفشل المتكرر كي تستقيم.

كظمت نورية ما سمعته وذرفت دموعا مريرة فهي جد حساسة وبراءتها تجعلها تخرس في إثبات حقها.

وفي الليل نام الجميع بعد التعب النفسي الذي لاقوه بعد الدفن ، إلا نورية التي تتظاهر بالنوم وعينيها شاخصتين ،

تنتظر أن يتم الهدوء في أرجاء منزل خالتها ، وعند تأكدها بأن الجميع نائم.

ذهبت إلى الغرفة التي تنام فيها إبنة خالتها وصديقتها ، ومن حسن حظها وجدت تلك الفتاة في الرواق تريد شرب الماء من المطبخ.

إقرأ أيضا: تزوجها بالطريقة التي طالما أرادها

أخذت نورية تطبق على أنفاس الفتاة على فمها والنار مشتعلة في عينيها لتجرها إلى خارج المنزل بهدوء تام ،

جرتها نحو البئر لتطعنها في بطنها بمنجل كان ملقى على الأرض وبعدها رمتها في البئر كأنها دمية تلعب بها وفككتها لتلقيها بعيدا في حلاك الجب.

بعدها استدارت من حيث أتت بكل ثبات ولم يزعزع من كيانها البتة.

وفي الصباح الباكر تجمعت العائلة والأصدقاء المقربين لزيارة قبر المغدور به.

عندها سألت إبنة خالة نورية عن صديقتها حيث تفقدتها في كل أرجاء المنزل ولم تجدها.

فأخبرتها نورية أنها لم ترها منذ الأمس عندما قدمت القهوة في العزاء.

وبينما هما يتكلمان وإذ بالصراخ والتكبير يأتي من الخارج ، فأسرع الجميع نحو الصوت وبالضبط نحو البئر.

الله أكبر ، الله أكبر ، فزوج خالة نورية يحمل الدلو بكلتا يدية والماء يكاد يكون عبارة عن دم خالص.

إجتمع الكبير والصغير حول البئر لمعرفة مصدر الدم ، فظهر جسد يطفوا هنالك دون أن يتبين جنسه.

مرت سويعات قليلة بحضور شرطة القرية والمختصين في الجرائم ، تبين بعد ذلك جنس الجثة ألا وهي صديقة أخت المرحوم التي كانت تبحث عنها.

وقامت الدنيا ولم تقعد ، والتحقيقات التي طالت كل أفراد الاسرة وكل الذين حضروا العزاء.

دون أن يجدوا دليلا واحدا على قتلها.

في المساء عادت نورية وعائلتها إلى بيتها وفي أثناء الطريق صادف والدها رب عمله الذي وبخه وعاتبه بكل قسوة ،

ودون حياء من أسرته على تقصيره في العمل لليومين الفارطين.

ولم يدع الفرصة لوالد نورية أن يشرح له سبب تقصيره بوفاة خطيب إبنته.

وفوق كل ذلك خصم الشهر الأخير من راتبه الذي كان ينتظره بفارغ الصبر كي يسدد دينه به ،

فالمدينون أكلوا له وجهه مطالبين بقضاء ما عليه لهم.

وليس كل هذا فرب عمل والد نورية قلبه قاس لا يعرف الرحمة وبخيل في إعطاء حق العاملين في مصنعه ،

إقرأ أيضا: براءة الأطفال

وينتهز الفرص لكي لا يوفيهم حقوقهم المالية وفي أخر كلامه أبلغه أنه مطرود من عمله.

ذرفت نورية الدموع بصمت كعادتها وجعا واسفا على ضعف والدها الذي رات في وجهه الظلم والقهر عند كبره ،

ولم تستطع أن تجلب له حقه أو تخفف من مصابه.

ولكن طريقتها الوحيدة للإنتقام التي هي نفسها لا تعلم بها ، عندما فقط يسدل الليل سواده ويغط الجميع في سبات تام.

تظهر هي كفتاة متحولة لتلقي أشد العقاب على من وجع قلبها سابقا.

خرجت نورية في منتصف الليل والبدر مكتمل ضياءه كأنه فانوسا ينير طريقها متوجهة إلى المصنع الذي كان يعمل فيه والدها ،

ولكن هذه المرة ليس لوحدها بل أطلقت صوتا غريبا من حنجرتها وفي لمح البصر كانت العيون البراقة تحيط بها من كل مكان.

هي الأولى تمشي في المقدمة والعيون المخيفة تتبعها كأشباح دون أجساد لها.

حتى وصلت إلى المصنع ودخلت عنوة على حراسها الذين إنقضت عليهم السباع تمزق بمخالبها أجسادهم وتأكل اجوافهم.

عندما وصلت لرب عمل والدها وجدته مختبيء وراء مكتبه يرتعش من شدة الخوف ،

فهو رأى كل شيء أمامه بفعل الصراخ الذي دوى المصنع.

لم تتحرك نورية من مكانها بل رفعت إصبع يدها وصوبته نحو الهدف ليكون فريسة ما بين مخالب السباع في ثانية.

وعند إستدارتها للخروج وجدت والدها يملأ عتبة الباب في ذهول وهو يحمل سكينا بيده وهو يقول نورية ، نورية لا يعقل ، لا يعقل هذا.

في باديء الأمر لم تتعرف نورية على والدها وأرادت أن تنقض عليه لولا تلك الرائحة المستحبة لديها ،

التي أرجعتها إلى صوابها وأعادتها إلا الخلف وتوقف بإشارة من يدها الهجوم الذي كان سيناله من السباع الشرسة أيضا.

لم يستطع والد نورية أن يصدق عينيه ما رأته بنته الوديعة الودودة الحساسة تصبح وحشا كاسرا.

ما بين ليلة وضحاها ، لم يطل التفكير به كثيرا وعلم أن تحول إبنته إلى وحش سببه شربها من البحيرة المسحورة.

فهو يعلم منها الكثير ، فما مر به أجداده سيمر به هو أيضا.

وكم كان ينتظر مثل هذا اليوم حدوثه وعليه أن يواجه الأمر مهما كان ويتم عمله كالسلف السابق تماما.

إحتضن والد نورية إبنته بقوة وهو يذرف دموعا غزيرة وبيده اليمنى طعنها في قلبها.

أقرأ أيضا: لصوص من الزمن الجميل

بالسكين بدل الذي كان يريد أن ينتقم لكرامته من رب عمله يوم أهانه أمام عائلته.

سقطت نورية خامدة على الأرض واختفت السباع من حولها في لمح البصر ،

واسترجعت في تلك اللحظة حواسها بمن أمامها وعينيها شاخصتان في عيني والدها التي تذرف دما عليها ،

وكأنها تسأله دون أن تنطق حرفا واحدا ما الذي يحدث لها.

والدها في تلك الأثناء يحضنها بحنية ويقبلها على جبينها متأسفا لها على فعلته طالبا منها السماح والمغفرة.

كان عليه في آخر المطاف أن يوقف الجرائم التي ستعارض سبيل إبنته.

وينهي المشكلة من جذورها حتى ولو بخسارة فلذة كبده وحبه الأكبر لإبنته نورية الطيبة للأبد.

إقرأ أيضا: السلطانة التي عاشت في ظل و ماتت في ذل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?