الفتى الذي تنبأ بموته

الفتى الذي تنبأ بموته

ولد جاك في الفترة بين 1470 – 1472 لعائلة فقيرة متكونة من أكثر من 10 أفراد ، وكأنه لا يكفي أن يولد فم آخر لهذه العائلة لتطعمها فإن جاك ولد بليدا أيضا ،

وأصبح معتوه القرية ، الكل يرمي عليه الأوساخ ويضربه ويهينه.

أصبح عالة على أهله بدل من أن يكون عونا لها ،

لكن قلب والدته لم يطاوعها على التخلص منه ، فبقي جاك المسكين يتحمل الأمرين في قريته الفقيرة.

لكن جاك كان يتمتع بموهبة فريدة حيث لاحظ سكان قريته الصغيرة أنه يستطيع أن يتنبأ بالطقس والأمطار ،

والوقت الذي سيفيض فيه النهر والمجاعات ومن سيموت إذا ضرب المرض أو الوباء القرية.

بل أيضا استطاع أن يتنبأ بهوية سراق الماشية ، وقد وجد مرات عديدة مفقودات لأهل القرية ،

فشفعت هذه الموهبة له وبدأت المضايقات تقل معه ، و بدءوا بإعطاءه مهام بسيطة مثل حرث حقل بآلة يجرها ثور عجوز ،

أو إزالة الروث المتجمع ونثره في الحقل وغيرها من المهام الحقيرة.

لكن جاك كان سعيدا بها لأنها أبعدت عنه مضايقات الناس.

في أحد الأيام وأثناء عمل جاك في الحقل ، رأى شخص ينظر إلى الشرق وضل بهذه الوضعية لفترة طويلة جدا ،

وفجأة بدأ بالصراخ : لقد انتصرنا ، يا لها من معركة رهيبة ، يحيا الملك يحيا الملك”

وركع أرضا كما لو أن الملك واقف أمامه.

جاء الناس إليه ليروا ما خطبه ، فأخبرهم أن معركة كبيرة حصلت بين هنري السابع وبين رتشارد الثالث ،

وأن الأخير تعرض للهزيمة فتوج هنري تودور الملك الجديد.

ضحك الناس عليه حيث أنهم لم يكونوا يعلمون عن العالم خارج حدود قريتهم إلا ما يأتيهم بالصدفة ،

إما بتواصل مع القرى المجاورة البعيدة أو إذا مر بقريتهم خيال على ظهر جواده.

هذه المرة تجاوز جاك الحد المعقول لكن أغلبهم صدقه وبدءوا بنشر خبر المعركة وتنصيب الملك الجديد.

إقرأ أيضا: قصة حب مؤلمة ومعبرة

وبعد أشهر ، وصلت خيالة الملك لتنقل أخبار تتويج هنري السابع على عرش إنجلترا ليتفاجئوا بأن هذه المنطقة تعرف بصعود هنري للعرش قبل أشهر طويلة من وصولهم.

و بعد التقصي والسؤال ، علموا نبأ الفتى جاك فرجعوا إلى ملكهم حاملين معهم قصة عجيبة.


الملك فكر مليا وأمر بإحضار الفتى إلى القصر ليختبره ، فإن كان الفتى كاذبا قام بقتله وتخليص العالم منه وإن كان صادقا ، حسنا ،

لا شك أنه سيكون ذو فائدة.

لهذا أمر رجاله بإحضاره على الفور.

في قرية جاك ، بدأ الفتى يتصرف بشكل غريب ، فهو يركض بشكل هستيري ويطرق كل باب طالبا منهم أن يخفوه ،

لأن رجال الملك قادمون لأجله ، وكان يصرخ : ” أنجدوني وخبئوني ، رجال الملك قادمون لأجلي ،

سيأخذوني لأعيش في البلاط الملكي ، أنقذوني فسوف أموت جوعا في القصر!

أثار كلامه ضحك واستهزاء أهل القرية الذين لم يفتحوا الباب له ,ة، بل ازداد ضحكهم على كلامه ،

فكيف لشخص يعيش في القصر أن يموت جوعا فيه؟

أي هراء هذا ، لا بل من سيفكر في أخذ فتى بليد وغبي (رغم موهبته) ، و الآن يقول (الملك)! يا للسخافة.

لكن جاء رجال الملك فعلا لأخذ المسكين جاك إلى مصيره المحتوم ، وحين سمع الملك بقرب وصولهم ،

قام باخفاء ختمه الخاص ليختبر الفتى ، وحين دخل جاك على الملك ،

فوجئ الملك بفتى متسخ ورث الملابس وذو رائحة تزكم الأنفاس وتبدو على محياه علامات الغباء والبلادة.

فشك في قراره باحضاره ، لكنه أخفى ندمه على استدعاءه وقرر استكمال اختباره وقال له :

“سمعت بأنك تستطيع إيجاد الأشياء المفقودة ، حسنا ، لقد سُرق ختمي الشخصي وأريدك أن تدلني على السارق.

تمعن الفتى في الملك بدقة ، لدرجة أنست الملك منظره وبدأ يشعر بالتوتر من نظراته الثاقبة ، وبعد ثواني بدت دهرا للملك ، قال الفتى وبكل ثقة :

مولاي ، الختم لم يسرق بل أنت خبأته وأستطيع إحضاره لك.

إقرأ أيضا: لا تتخلي عن طموحك لأجل أحد

أشار الملك المصدوم للفتى أن يحضره ، فذهب جاك وبدون تردد إلى مكان الختم وأخرجه للملك وسط دهشة الحضور.

سر الملك بهذا الفتى وقربه إليه رغم كونه بليدا ولا يبدو أنه يستطيع إبقاء نفسه نظيفا ،

لكن الملك استفاد منه أيما استفادة ، وبدأ باستخدامه لمعرفة من من حاشيته هم جواسيس مندسة ومن الوفي.

وقد استعمله لمعرفة صدق المساجين واكتشاف الجواسيس الذين ترسلهم الدول الأخرى.

كما استغل موهبته في تحديد أي معارك سينتصر بها بأقل الخسائر وأيها يتفاداها ،

ولقد كان جاك مصيبا تقريبا في أغلب تنبؤاته ولكن في بعض الأحيان كان يخطأ ويذهب ضحية لذلك شخص بريء ،

إلا أن الملك كان سعيدا بما يحصل عليه.

ثم جاء الموعد المشئوم لجاك ، حين قرر الملك أن يذهب في جولة في مملكته تستغرق أشهرا طويلة ،

ولكنه قرر ألا يصطحب جاك معه حيث أنه على الرغم من فائدته إلا أن الفتى يصاب بنوبات عصبية بين فترة وأخرى مما يدفعه للصراخ أو التلفظ بألفاظ غير لائقة ،

إضافة إلى أن منظره لا ينفع في الموكب الملكي.

لهذا تركه خلفه في القصر مع تعليمات صارمة ألا يتعرض له أحد من العاملين أو الخدم ولا أن يضربوه أو يعاقبوه وأن يحسنوا معاملته.

لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ، حيث ضاق عمال القصر ذرعا بجاك بسبب نوباته العصبية المتكررة ،

ولكن لخوفهم من ملكهم قرروا أن يحبسوه في احدى غرف القصر العلوية ، بعيدا عن الناس ،

على أن يقوم أحدهم باحضار الطعام له.

لهذا ، جاء أربعة من عمال القصر وجروا جاك جرا إلى أعلى غرفة في القصر وألقوه فيها وأغلقوا عليه الباب ،

وأخفوا المفتاح واتفقوا أن يحضر أحدهم كل يوم لإعطائه طعاما وشرابا لحين رجوع الملك.

إقرأ أيضا: الفتاة أم النمر

لكن العمال تهاونوا في عملهم ونسو أمر المسكين جاك ومرت الأيام والأسابيع ،

كان الناس الساكنة في القصر تسمع صراخا مكتوما وأحيانا ضربات مستمرة ،

ولكنهم اعتقدوا أنها أشباح أو أرواح الموتى التي عادت من العالم الآخر في الليالي المظلمة لتبث الرعب في قلوب الأحياء.

  لم يخطر على بال أحدهم أن الأصوات مصدرها أحد الأحياء أنفسهم أو بالأحرى ، جاك.

وجاء يوم سكتت فيه هذه الأصوات والصرخات ، وفرح الناس ممن كانوا يسمعونها بسكوتها اعتقادا أن الأرواح قد عادت إلى عالمها ،

ولقد أصابوا ، فإن روحا قد فارقت الحياة لتعود إلى خالقها.

عاد الملك من جولته الطويلة وطلب جاك ، فبدأ الخدم بتبادل النظرات فيما بينهم ،

متسائلين متى كانت آخر مرة رأوا فيها جاك تعيس الحظ هذا ،

وثار الملك وأمر بحملة تفتيش واسعة ظنا منه أن أحدا قد اختطف الفتى للإستفادة منه بعد أن عرف سره.

وبدأت حملة بحث محمومة قلبت القصر ، وحين وصل البحث إلى غرف القصر العلوية ،

بدءوا يشمون روائح متعفنة قادمة منها وكلما اقتربوا كلما ازدادت الرائحة قوة ،

إلى أن وجدوا الباب المقفل وكسروه وكانت المفاجأة.

جثة جاك ملقاة على الأرض وفمه مفتوح كما لو أن هنالك صرخة متجمدة على شفتيه المهترئتين ،

والجثة متحللة بشكل كبير وتنبعث منها الروائح الكريهة.

وآثار خدوش سببها أظافر المسكين حيث حاول أن يحفر في أرض الغرفة الصخرية

وآثار ضرب على قضبان الغرفة الضيقة ، لقد كان هو السبب في الضوضاء والصرخات التي كانوا يسمعونها.

لقد حصل ما تنبأ به تماما ، لقد مات جاك جوعا في القصر.

Exit mobile version