القبيلة المتوحشة الجزء الأول
القبيلة المتوحشة الجزء الأول
لم يكن يعرف جون المصور الأمهق إن تصوير فيلماً وثائقي في تنزانيا ستكون مغامرة خطيرة بالنسبة له!
فما أن وصل فريق العمل التصويري إلى تلك القرية الفقيرة ،
حتى تجمّع أفرادها حول المصوّر جون. ، يتأمّلونه بذهول وهم يتهامسون فيما بينهم.
فقال له صديقه الصحفي جاك : يبدو يا جون أن أفراد القبيلة أحبّتك أنت بالذات دون عن بقيّة الفريق.
جون : ربما لوني الأبيض آثار اهتمامهم ، مع أن نظراتهم لي تقلقني وكأنهم ينوون على شيءٍ ما!
ثم تلفّت جون حوله ، لقد تأخّر المترجم كثيراً يا جاك ، نريد إجراء حواراً معهم قبل غروب الشمس.
فأجابه جاك : لقد اتصلت به قبل قليل ، وقال إنه في طريقه إلينا ، لا تقلق.
وفي هذه الأثناء ، أخذ المصوّر جون (الأمهق) العديد من الصور ، مُتنقّلاً بين الأكواخ المهترئة ،
ترافقه الأهالي باهتمامٍ شديد دون إكتراثهم ببقيّة أصدقائه ، مما أثار الشكّ والحيرة في نفسه!
وبعد أن وصل المترجم الأفريقي إليهم ، لاحظ على الفور ملاحقة القرية للشاب الأمهق ،
فأسرع اتجاهه محذّرا. وقال بلغته الإنجليزية الركيكة : عليك الأبتعاد من هنا فورا!
جون بقلق : لماذا ؟! ماذا حصل؟!
لكن قبل أن يُفهمه المترجم المشكلة ، ناداه رئيس القبيلة من بعيد ،
فذهب الإفريقي ناحيته ، تاركاً جون في حيرة!
خاصة بعد أن إنتبه على رئيس القبيلة وهو يعطي المترجم كيساً صغيراً والذي أسرع هو في دسّه بجيب بنطاله.
ثم عاد إلى جون بوجهٍ يصعب تفسيره : فهو من ناحية سعيد بما أخذه من القائد ،
وفي نفس الوقت يبدو عليه القلق والشفقة على جون!
حيث قال له : أعتذر منك ، لكن القدر أحضرك إلى مكانٍ لا يناسبك ، ولا استطيع مساعدتك بشيء.
ثم ربت على كتف جون وهو يحبس دموعه :
المترجم : كان الله في عونك يا أخي.
إقرأ أيضا: قصة هينة الجزء الأول
ثم ذهب ناحية جاك وقال له كلمتين ، ومن ثم أسرع بركوب سيارته المهترئة مُبتعداً عن فريق التصوير ، غير مبالي بنداءاتهم له بالعودة.
فاقترب جاك من جون غاضباً : أرأيت هذا الأبله!
لنا أكثر من ساعتين في إنتظاره ، وحينما أتى عاد وتركنا دون أن يُبرّر لنا سبب رحيله المفاجىء!
(ثم تنهّد بغضب) رأيته يكلّمك ، فماذا كان يقول لك ؟
جون وهو يمسح عرقه بخوف : لقد حذّرني من البقاء هنا.
جاك باهتمام : ألم يقل لك لماذا ؟
جون : لا ، لكن تعابير وجهه أخافتني! أرجوك دعنا نعود إلى الفندق.
جاك : سنعود حتماً ، لكن آخر شيء قاله لي المترجم الغبي : هو أن قائد القبيلة يعزمنا على العشاء ، وبالحقيقة جميعنا جائعون.
لهذا سنأكل معهم ثم نعود أدراجنا ، هيا بنا ، فقائدهم يُشير علينا من بعيد لمرافقته.
وبالفعل! ذهب فريق العمل المكوّن من سبعة أشخاص مع قائد القبيلة الذي أجلسهم ضمن حلقة كبيرة من شباب القبيلة ،
يحيطون جميعهم بشعلة نارٍ ضخمة في الوسط ، كان يُطهى عليها الخاروفين.
وفي انتظار إنتهاء الشواء ، صبّت لهم إمرأة شابة افريقية جميلة بعض الشراب الأبيض في أكوابهم الخشبية.
فهمس جون لجاك : ما الذي وضعته في شرابنا؟
يبدو وكأنه حليب ، إشرب فالجميع ينظر إلينا.
جون بقلق : ولما وضعت لي من إبريقٍ مغاير عن إبريق الجميع؟
جاك : ألم تلاحظ حتى الآن أن جميعهم يعاملونك باهتمام عن بقيتنا ،
بالتأكيد وضعت لك شراب ألذّ من شرابنا ، إشرب يا رجل وكفّ عن القلق.
ويبدو أنه كان في أكواب فريق التصوير بعض الشراب الذي أسكرهم ،
حيث صاروا يرقصون بغباء حول النار وهم يدنّدنون مع تلك الأغنية المُبهمة التي يُغنيها الأفارقة التنزانيين.
إقرأ أيضا: القبيلة المتوحشة الجزء الثاني
أما جون فقد أشعرهُ شرابه بالدوخة وبثقلٍ في عينيه وكأنه على وشك الإغماء ،
وكان آخر شيء يتذكّره قبل أن يستسلم للنوم هو رؤيته لرجلين يقتربان ناحيته ، وكأنهما يحاولان حَملِه!
وفي اليوم التالي استيقظ جون داخل حجرةٍ طينية مُغلقاً بابها الحديدي بإحكام من الخارج ومساحتها لا تتجاوز المترين ،
وضوء الشمس يمرّ من خلال أغصان الشجر الذي غطّت سقف المكان العالي ، والأسوء أنه كان يشعر بألمٍ شديد في يده.
لم يصدّق عيناه حين شاهد قماشاً أحمراً رطباً حول يده اليسرى ، وحين فكّ الرباط كاد يُغمى عليه من هول الصدمة ،
حين رأى ثلاثة من أصابعه قد بُترت تماما!
فصار يصرخ بألمٍ ورعب : أخرجوني من هنا ، يا ملاعيين جاك أين أنت! أين أنتم يا أصدقاء!
لكنه لم يرى أحداً حتى عصر ذلك اليوم ، وقد مرّ الوقت عليه طويلاً ، قضاها بالصراخ والبكاء مع شعورٍ بألمٍ لا يطاق من أثر البتر.
يتبع ..