القرية المخفية الجزء الثاني
أجاب باهر آسف يا أحمد فأنا متعب بعض الشيء ، هل أستطيع أن آوي إلى النوم؟ أحمد حتما وبالطبع هيا تعال معي.
رافق أحمد باهر إلى كوخ معد للضيوف حيث استلقى باهر هناك ثم استغرق في النوم ،
فتركه أحمد وجلس في الخارج قرب باب الكوخ ،
وبعد ساعة حل المساء ففتح أحمد الباب قليلا وتطلع إلى باهر فوجده متدثرا بغطائه ، فعلم أنه ما يزال يغط في النوم.
بعد قليل حضر سلمان وسئل عن باهر فأخبره أحمد أنه نائم.
حك سلمان لحيته وكأنه قد ارتاب في أمر ما ، ثم طلب من أحمد أن يدخل ويتأكد من أن باهرا قد نام بالفعل.
قال أحمد : لكن يا جدي.
قاطعه الجد إفعل ما أطلبه منك يا ولد.
انصاع أحمد لطلب جده ، فدخل واقترب من فراش باهر ثم أزاح الغطاء قليلا لكن باهر لم يكن هناك!
تفاجئ أحمد لذلك كثيراً فهرع إلى جده وأخبره بالأمر فصاح الجد :
لقد صدق حدسي ، أحمد إسمع إستدعي الرجال وليلحقوا بي إلى المغارة هيا أسرع.
وبعد أن استدعى الرجال ركض أحمد مسرعا نحو المغارة ، وما إن بلغها حتى تفاجئ بجده وهو مطروح أرضا ،
فأسرع إليه وساعده على النهوض فقال الجد :
ذلك الفتى باهر لقد وجدته قرب النسر الذهبي وهو يقوم بنسخ النقوش المحفورة في قاعدة النسر في كراس كان معه ثم أخذ يقوم بطقوس غريبة ،
وعندما سألته عما يفعل دفعني وهرب نحو الجبال.
إنطلق أحمد وبقية الرجال نحو الجبال حيث ذهب باهر فعثروا عليه وهو يحاول تسلق الجبل الذي جاء منه ،
فكان أحمد أول الواصلين إليه فقال له لقد وثقنا بك واستضفناك وعاملناك كواحد منا ،
لكنك خنت الثقة وأظهرت لنا أنك لست بأفضل من المشعوذ الذي أعدمناه.
إقرأ أيضا: لا غنى يدوم ولا فقر يبقى
صاح باهر بغضب ذلك المشعوذ الذي تتحدث عنه هو جدي وأنا هنا لأتمم ما بدأه ،
ثم تعارك الإثنان بالأيدي عدة ثواني ألى أن استطاع باهر أن يخرج سكينا حاول طعن أحمد بها ،
فانتزعها منه أحمد بمهارة ثم ضربه بها فشق خده الأيسر.
لمح باهر بقية الرجال وهم على وشك الوصول فأمسك خده وهو يقطر دما ثم نظر إلى أحمد بغضب شديد وقال :
لم ينتهي الأمر يا هذا فجدي أطلق اللعنة الأولى وأنا أطلقت عليكم الليلة اللعنة الثانية ،
وكدتُ أن أطلق الثالثة لولا أن قاطعني جدك.
سأرحل الآن يا أحمد لكني سأعود يوما ما وسأنتقم منكم شر انتقام.
تلا ذلك أن ركض باهر وتسلق الجبل بخفة ومهارة وباستخدام معدات كان يخفيها بين أحراش الجبل تحسبا لخطة الهروب.
نظر إليه الجميع وهو يبتعد عنهم صعودا إلى قمة الجبل كالعنكبوت حتى اختفى تحت جنح الظلام.
عاد أحمد إلى جده وأخبره بما جرى ، ثم سأله عن تلك النقوش الغريبة التي نسخها باهر ،
حيث يبدو أنه كان مهتماً بها أكثر من اهتمامه بالنسر الذهبي.
فأجاب الجد بصراحة نحن أيضا لا نعلم تفسير تلك النقوش.
فعندما كنا نضع الحبل حول رقبة المشعوذ كان هو مغلق العينين ويتمتم بترانيم مبهمة ،
وقد أخبروني أنه في نفس الوقت الذي كان المشعوذ يفعل ذلك كانت قاعدة النسر تنقش بتلك الرموز والطلاسم الغريبة!
وكأن يدا خفية تقوم بفعل ذلك وما تراه اليوم هو من تأثير سحر المشعوذ الذي لا نفهمه.
قال أحمد : باهر قال أن جده أطلق اللعنة الأولى والتي لابد أن يقصد بها طوق الجبال الذي حبس قريتنا.
ثم قال أن الليلة ستبدأ اللعنة الثانية فيما لم يكمل اللعنة الثالثة وقال أنه سيعود يوماً ما ليكمل ما بدأه جده.
قال سلمان ليس أمامنا سوى أن نأخذ حذرنا في الأيام القادمة من كل ما قد يعرض قريتنا للخطر.
بعد قليل شعر جميع سكان القرية بالحاجة الملحة إلى النوم ، فآووا إلى مضاجعهم ودخلوا في نوم عميق.
عند الصباح بدأ وإن الجميع قد استيقظ في نفس اللحظة بالذات ، فنهضوا جميعا بنفس الثانية وانطلقوا إلى أعمالهم وأمور معاشهم.
إقرأ أيضا: القرية المخفية الجزء الثالث
سلمان لاحظ ذلك الأمر فاستغرب بشدة وساوره الشك في أن يكون ذلك من تأثير اللعنة الثانية ،
ولكن ما هي اللعنة الثانية وما هي حدودها ؟
لم يطل سلمان التفكير طويلاً حتى جاءه بعض الفلاحين وهم يلهثون وأخبروه أن خطبا عظيما قد وقع ،
وأن عليه أن يتبعهم إلى سفح الجبل حتى يشاهد بنفسه.
إنطلق سلمان وحفيده أحمد مع حشد من رجال القرية برفقة الفلاحين إلى سفح أحد الجبال ،
وهناك صدم الجميع وهم يرون نفقا يخترق الجبل محفور بأيدي بشرية ويؤدي إلى العالم الخارجي.
قال سلمان من فعل ذلك ومتى نفقا كهذا يحتاج إلى عشرات السنين لإنجازه فكيف ظهر هنا بين ليلة وضحاها.
هنا أخذت تتوافد عليهم من النفق قوات نظامية مسلحة يتقدمها رجل في الخمسين من العمر ،
تقدم ذلك الرجل وهو على صهوة جواده من القرويين المذهولين ثم نظر إلى أحمد وقال :
لقد وعدتكم أني سأعود إلى هنا يوماً ما وسأنتقم منكم وها قد حل ذلك اليوم بعد طول المدة.
قال أحمد ومن أنت يا رجل فنحن لم نلتقي من قبل.
ضحك الرجل (طبعا باهر) وقال ولكني أعرفك جيداً يا أحمد ، وأنت يا سلمان لم تكبرا ولا يوم واحد أنتما كما تركتكما منذ ثلاثين عاما.
دهش أحمد من معرفة ذلك الغريب لأسمائهما لكنه إبتسم بسخرية وقال :
تقول أنك التقيت بي قبل ثلاثين عاماً بينما عمري الآن يبلغ بالكاد عشرين سنة فكيف تفسر ذلك.
يتبع ..