المروءة عند العرب
المروءة عند العرب
يذكر أنّ الخليفة العباسي المهدي أهدر دم رجل من أهل الكوفة كان يسعى في فساد دولته ، وجعل لمن دله عليه أو جاءه به مائة ألف درهم.
فأقام الرجل مدة متخفيا ثم إنه ظهر ببغداد فكان ظاهراً كغائب ، خائفاً مترقباً.
فبينا هو يمشي في بعض نواحيها إذ بصر به رجل من أهل الكوفة فعرفه ، فأهوى إليه فأمسكه من ثوبه ،
وصرخ : هذا بغية أمير المؤمنين ؛ فاستسلم الرجل ، ونظر إلى الموت أمامه.
فبينما هو على الحالة إذ سمع وقع الحوافرِ من وراء ظهره ، فالتفت فإذا معن بن زائدة ،
فقال الرجل : يا أبا الوليد ، أجرني أجارك الله.
فوقف وقال للرجل الذي تعلق به: ما شأنك؟ قال : بغية أمير المؤمنين ، الذي أهدر دمه وأعطى لمن دل عليه مائة ألف.
فقال : يا غلام ، انزل عن دابتك ، واحمل أخانا.
فصاح الرجل : يا معشر الناس ، يُحال بيني وبين من طلبهُ أمير المؤمنين!
قال له معن بن زائدة : اذهب فأخبره أنه عندي.
فانطلق إلى باب أمير المؤمنين فأخبر الحاجب ، فدخل إلى المهدي فأخبره ، فأمر بحبس الرجل ، ووجّه إلى معن من يحضر به.
فأتته رسل أمير المؤمنين وقد لبِس ثيابه ، وقرّبت إليه دابته ،
فدعا أهل بيته ومواليه فقال : لا يصل أحد إلى هذا الرجل وفيكم عين تطرف.
ثم ركب ودخل حتى سلم على المهدي ، فلم يرد عليه.
فقال المهدي : يا معن ، أتجير علي؟
قال : نعم يا أمير المؤمنين.
قال : ونعم أيضاً! واشتد غضبه.
فقال معن : يا أمير المؤمنين ، قتلتُ في طاعتكم باليمن في يوم واحد خمسة عشر ألفا ،
ولي أيام كثيرة قد تقدم فيها بلائي ، وحسن غنائي ، فما رأيتموني أهلا أن تهبوا لي رجلاً واحداً استجار بي؟
فأطرق المهدي طويلا ، ثم رفع رأسه وقد سري عنه ، فقال : قد أجرنا من أجرت.
إقرأ أيضا: مائدة من الجنة نزلت على قوم معينين
قال معن : فإن رأى أمير المؤمنين أن يصله فيكون قد أحياه وأغناه فعل.
فقال : قد أمرنا له بخمسين ألف.
قال : يا أمير المؤمنين ، إن صلات الخلفاء تكون على قدر جنايات الرعية ، وإن ذنب الرجل عظيم ، فأجزل له الصلة.
فقال : قد أمرنا له بمائة ألف.
قال : فتعجلها يا أمير المؤمنين فإن خير البر عاجله.
فأمر بتعجيلها ، فدعا لأمير المؤمنين بأفضل دعاء ، ثم انصرف ولحقه المال.
فدعا الرجل ، فقال له : خذ المال ، والحق بأهلك ، وإياك ومخالفة الخلفاء.