المنصور إبن أبي عامر الحاجب المنصور
المنصور إبن أبي عامر الحاجب المنصور
جاء في سيرة حروب الحاجب المنصور إبن أبي عامر حاكم الأندلس أنه سير جيشا كاملا لإنقاذ ثلاث من نساء المسلمين كن أسيرات لدى مملكة نافار
(أقصى الجنوب الفرنسي وشمال أسبانيا النصرانية).
ذلك أنه كان بينه وبين مملكة نافار عهد ، وكانوا يدفعون له الجزية ،
وكان من شروط هذا العهد ألا يأسروا أحدًا من المسلمين أو يستبقوهم في بلادهم ،
غير أنه قد حدث أمر إستفز المنصور وجيَّش من أجله الأندلس بكاملها.
فتأمل ما يقوله إبن عذارى المراكشي عن هذا الأمر في كلمات بديعة وعبارات أنيقة ،
أجمل ما تقرأه من حال أمة عزيزة كريمة :
ومن أوضح الأمور هنالك ، وأفصح الأخبار في ذلك ، أن أحد رسله (رسل المنصور) كان كثير الإنتياب ، لذلك الجناب ،
فسار في بعض مسيراته إلى غرسية (ت 390هـ / 1000م) صاحب البشكنس (ممكلة نبره أو نافار النصرانية)
فوالى في إكرامه ، وتناهى في بره وإحترامه ، فطالت مدته فلا متنزه إلا مر عليه متفرجا ،
ولا منزل إلا سار عليه معرِّجا ، فحل في ذلك ، أكثر الكنائس هنالك ، فبينا هو يجول في ساحتها ،
ويجيل العين في مساحتها ، إذ عرضت له إمرأة قديمة الأسر ، قويمة على طول الكسر ، فكلمته ،
وعرَّفته بنفسها وأعلمته ، وقالت له: أيرضى المنصور أن ينسى بتنعمه بوسها ، ويتمتع بلبوس العافية وقد نضت لبوسها ،
وزعمت أن لها عدة سنين بتلك الكنيسة محبسة ، وبكل ذل وصغار ملبسة ، وناشدته الله في إنهاء قصتها ، وإبراء غصتها ،
واستحلفته بأغلظ الأيمان ، وأخذت عليه في ذلك أوكد مواثيق الرحمن.
إقرأ أيضا: دعاء مكتوب على حيطان الجن
فلمَّا وصل إلى المنصور عرفه بما يجب تعريفه به وإعلامه ، وهو مصغ إليه حتى تم كلامه ، فلما فرغ قال له المنصور :
هل وقفت هناك على أمر أنكرته ، أم لم تقف على غير ما ذكرته؟
فأعلمه بقصة المرأة وما خرجت عنه إليه ، وبالمواثيق التي أخذت عليه.
فعتبه ولامه ، على أن لم يبدأ بها كلامه ، ثم أخذ للجهاد من فوره ، وعرض من من الأجناد في نجده وغوره ،
وأصبح غازيًا على سرجه ، مباهيًا مروان يوم مرجه ، حتى وافى إبن شانجة في جمعه ، فأخذت مهابته ببصره وسمعه ،
فبادر بالكتاب إليه يتعرف ما الجليَّة ، ويحلف له بأعظم أليَّة ، أنه ما جنى ذنبًا ، ولا جفا عن مضجع الطاعة جنبًا ،
فعنف أرساله ، وقال لهم أي المنصور: كان قد عاقدني أن لا يبقى ببلاده مأسورةٌ ولا مأسور ،
ولو حملته في حواصلها النسور ، وقد بلغني بعد بقاء فلانة المسلمة في تلك الكنيسة ، ووالله لا أنتهي عن أرضه حتى أكتسحها.
فأرسل إليه المرأة في إثنتين معها ، وأقسم أنه ما أبصرهنَّ ولا سمع بهن ، وأعلمه أن الكنيسة التي أشار بعلمها ، قد بالغ في هدمها ،
تحقيقًا لقوله ، وتضرع إليه في الأخذ في بطوله ، فاستحيا منه ، وصرف الجيش عنه ،
وأوصل المرأة إلى نفسه ، وألحف توحشها بأنسه ، وغيَّر من حالها ، وعاد بسواكب نعماه على جدبها وإمحالها ،
وحملها إلى قومها ، وكحلها بما كان شرد من نومها.
فهل رأت أمة من الكرامة والعزة مثل ما كان من أمر الحاجب المنصور إبن أبي عامر(366هـ- 392هـ) ،
المجاهد الذي لا يهزم ، غزا في حياته أربعًا وخمسين غزوة ، لم يهزم أبدًا في واحدة منها!