الحب في الحياة

النفس الأخير

النفس الأخير

هل بإمكان الموت أن يجمع ؟ قبل تلك اللحظات المؤلمة ، كنت لأجيب كأي فرد منكم وأقول : لا ، الموت يفرق ولا يجمع.

قبل تلك اللحظة كنا 4 ذكور يتناحرون فيما بينهم ، وأنثى شبه يتيمة لا أخت خرجت من رحم أمها ،

ولا رحمة خرجت من إخوتها الذكور.

كان الفاصل الواصل هو الأم ، أسرة تجمعها كلمة وتفرقها المصالح.

منذ وفاة الأب أصبح الكل ضحية وجاني ، الكبير يشكو شكواه لأمي ويذهب ، يأتي الصغير بعده لدور الضحية يلعب.

ثم التالي والتالي ، والأيام تسير على التوالي ، حتى إشتد الصراع ، وكل أخ لكلام زوجته إنصاع ،

و العازب منا إستسلم لغريزته فأصبح طماع.

الأخت في حيرة كما الأم ، أصبحت الأحاديث في البيت عن الغم ، فاجتمع الغم بالغم فآخر ليصبحوا هموما.

الأم إحتارت من بينهم تختار لائما أو ملوما ، وحين إشتد الخصام ، إنزوت فسكتت لتتوالى الأيام.

إشتد المرض والكل حولها إجتمع ، ذابت الخلافات والكلام لم يقع ، ثم في لحظة لم نستوعبها جميعا ،

ذاك السد الذي كان لخلافاتنا منيعا ، طار فصار كطائر في السماء.

رحل في صمت رهيب ، فترك منزلنا الواسع كئيب.

ماتت أمنا دون أن تقول كلمة ، نظرات مشتتة لسقف غرفتها ، كأنها تودعه وداعا أخيرا.

وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ، تفحصت وجوهنا بنظرة غضب ، ودون أن نعي في تلك اللحظة السبب ،

إبتسمت في وجه أختنا الوحيدة ، ثم رحلت إلى دار أخرى بعيدة.

مرت أيام قليلة لتجمعنا أختنا في نفس المكان ، وقبل أن تتكلم نظرت في وجه كل من كان ،

ثم قالت أن أمنا ماتت وهي علينا ساخطة.

الطمع والنساء فرقن بين الإخوة ، ماتت وقد تركت لي وصية ،

إقرأ أيضا: خرج من بيته مستاء بعد أسبوعين من الزواج

يا بنيتي إجمعي إخوتك وأخبريهم أنني تركتك لهم كالأم ، فإن عادوا كما كانوا في صغرها رضيت عنهم ،

1 3 4 10 1 3 4 10

و إن رفضوا فذكري الثاني كم دافع عنه الأول في المدرسة ، و ذكري الثالث كما كان له الإثنان سندا ،

أما الصغير فكان الثلاثة حصنه.

ذكريهم كم من ليالي البرد القارس ناموا في غرفة واحدة ، أنعشي ذاكرتهم التي أعماها الطمع والبغض والقيل والقال.

أخبريهم أن الحياة قصيرة ، والمحبة هي ملحها.

أقنعيهم أن الطعام بلا ملح لا يحلو طعمه ، وكذا الحياة يا بنيتي.

هكذا كانت وصية الأم ، تأثرنا جميعا لكننا لم نبكي بداية ، خفنا أن نصبح نساء في أعين بعضنا البعض ،

فالبكاء للنساء ، أما الرجال فيصمدون ، قاومنا لوهلة ثم إنفجرنا بكاء كأننا أطفال ، أصغرنا سنا في الثلاثين وأكبرنا في الأربعينات.

بكينا كما لم نبكي من قبل ، بكيت كاليوم الذي نمت فيه لأول مرة بعيدا عن حضن أمي وأنا طفل.

ذاك البكاء لم يتوقف ، كأننا أخرجنا ما في دواخلنا من آلام ، عانقنا بعضنا البعض ،

أصبح الكل جانيا يطلب الغفران من أخيه ، راح دور الضحية.

لم يعد للمال قيمة في تلك اللحظة ، عانقنا أختنا صاحبة هذا المعروف ، بكينا جميعا ثم تشاركنا الطعام ،

فكانت تلك البداية لجمع الشمل.

لم نهجر بيت الأهل ولم نبعه ، تركناه للزيارة ، نجتمع فيه كل جمعة لنأكل ونتآزر ونترحم على أعمدته.

زادت المحبة وذاب الخلاف ، فكان الموت لأول مرة سببا للجمع ، هكذا هي قصتنا التي لم تكن محض الخيال ،

و أتمنى من أعماق قلبي لها أن تنال ، فضولكم لا إعجابكم ،

فربما تملكون أما وأبا ، لكنكم تتناحرون كل يوم أمامهما.

الحياة قصيرة ، فاغتنموها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?