قصص منوعة

الوعد المشؤوم

كان في قديم الزمان ملك عظيم يحكم مملكة واسعة وله رعيّة تحبه وتطيع أوامره ، ومع ذلك كان الملك حزيناً دائما ، لأن الملكة كلما حملت وضعت طفلاً ميتا.

في أحد الأيام بينما كان الملك جالسا في حديقة قصره يفكر في مصيبته ، هبط نسر كبير أمامه وقال له :

أيها الملك العظيم ، إنني أستطيع أن أبعد عنك الحزن إذا وعدتني بتنفيذ ما أطلبه منك.

نظر الملك إلى النسر بدهشة ، وأكمل النسر كلامه : سوف تعيش لك أميرة جميلة لا مثيل لحسنها في الدنيا ،

بشرط أن تسمح لي بأخذها يوم زواجها.

فكر الملك قليلا ، ثم رضي بشرط النسر ، لأنه يحب أن يعيش له طفل مهما كان الثمن.

وعند ذلك صفّق النسر بجناحيه ، وغاب في الفضاء.

صدق وعد النسر ، وحملت الملكة ، ثم ولدت طفلة جميلة ، فاحتفل الملك بولادتها احتفالا كبيرا ووزّع الهدايا ،

وأنعم على الفقراء والمساكين، وسمّاها نسرين.

مضت الأيام وأصبحت نسرين صبية رائعة الحسن والجمال ، وبدأ الأمراء يخطبونها من أبيها وهو يرفض تزويجها لأي منهم بسبب وعده المشؤوم للنسر ،

وهو لا يستطيع أن يبوح لأحد بسره ، ولا يريد أن يفقد إبنته ، ولهذا عاد الحزن يسكن قلبه ،

وحزنت الأميرة لحزن أبيها ولرفضه تزويجها دون سبب.

في إحدى الغابات البعيدة ، كان يعيش حطاب شاب بهي الطلعة ، حسن الأخلاق ، يعمل طول النهار ، ويأوي إلى كوخه في المساء ،

كان اسمه شادي.

ذات مساء ، طرق بابه رجل غريب ، فأسرع شادي وفتح الباب ، ورحّب بالزائر الغريب ، وأخذ يعد له المكان ،

ويحضر له الطعام والماء الساخن.

عندما قدّم له الماء ، نظر إلى عيني الزائر فرأى شيئا غريبا جعله يجمد في مكانه.

إقرأ أيضا: حكاية سبع بنات الجزء الأول

فقال له الزائر : لا تخف يا عزيزي ، أنا اسمي ناظر وعيناي هاتان هما زمردتان أستطيع أن أرى بهما ما أريد في أي مكان في الدنيا ،

ولي أخوان أحدهما إسمه سامع يملك أذنين كبيرتين ، يستطيع بهما أن يسمع صوت الإبرة وهي تسقط في أعماق البحر ،

وآخر اسمه مجنّح له جناحان كبيران يستطيع بهما أن يصل إلى أي مكان في الدنيا بأسرع من لمح البصر.

1 3 4 10 1 3 4 10

وسأفكر في طريقة لمكافأتك على حسن استقبالك لي.

أمضى ناظر أياماً في ضيافة الحطاب فازداد إعجاباً به ، وأحب أن يفتش له عن أجمل عروس في ذلك العصر.

فحرّك زمردتي عينيه ذات اليمين وذات الشمال ، فأخذ بريقهما يزداد سطوعاً ،

والحطاب ينظر إليه ويتعجب من حركة عينيه ، ثم فجأة قال :

أبشر يا شادي ، لقد وجدت لك فتاة لا نظير لها في الدنيا ، وسأطلب من أخي سامع أن يكشف لنا عن سبب حزنها ، قم معي إليه.

أقفل شادي باب كوخه وودع حيوانات الغابة ، ثم سار مع ناظر إلى بيت أخيه.

في الطريق قال ناظر : إياك أن تسخر أو تضحك من كبر أذني أخي ، وإلاّ امتنع عن مساعدتنا.

فوعده شادي بالسمع والطاعة.

قطعا مسافة طويلة سيراً على الأقدام ، وعندما وصلا بيت سامع ، ظهر في الباب رجل ضخم له أذنان كبيرتان كأذني الفيل.

رحّب بهما وقال مخاطبا أخاه : لقد سمعت حديثك للشاب عن الأميرة الحزينة ، فقد كنت مشتاقا لإخبارك.

وعندما وجهت أذني نحوك سمعت الحديث ، فأهلاً وسهلاً بكما ، لقد جئتما في الوقت المناسب.

قال ناظر : ماذا تعني بالوقت المناسب؟
رد سامع بقوله : عندما أدرت سمعي نحو الأميرة التي وعدت بها الشاب ،

علمت أن اسمها نسرين ، وأن أباها الملك قطع وعدا مشؤوما لنسر كبير بأن يسمح له بخطف الأميرة يوم زفافها ،

وأجبره على تحديد موعد الزفاف.

إقرأ أيضا: الجندي المجنون

قال ناظر بلهفة : ما العمل والوقت يمضي بسرعة؟

فأجابه سامع : أرى أن نستنجد بأخينا مجنّح.

وافق الجميع على الفكرة ، وخرجوا مسرعين ، وقطعوا غابات كثيفة ، وأنهارا عديدة ، حتى بلغوا وادياً سحيقاً ،

ونادى ناظر أخاه المجنح بأعلى صوته ، فلم يسمع أي جواب لأن المجنح كان نائما في بيته على قمة الجبل.

فأخذ شادي قوسه وأطلق سهما على شباك البيت ، فصحا المجنّح غاضبا ، وأطلّ من النافذة ليرى الفاعل وينتقم منه.

فشاهد أخويه ومعهما شاب وسيم ، عندها خفق بجناحيه وطار في الهواء ثم حطّ أمامهم وأخذ يرحب بهم.

فأسرع ناظر بإخباره بأنهم جاؤوا إليه ليطلبوا مساعدته في أمر مهم ، وأخبره به.

طلب إليهم مجنّح أن يعتلوا ظهره ، وصفّق بجناحيه وطاروا في الفضاء بعد أن استقروا على ظهره ،

حتى كادت الأرض تغيب عن أنظارهم ، ثم حط فجأة كالسهم في حديقة القصر.

اتفق الأخوة على العمل ، وقال أحدهم لشادي بلطف : إذهب أيها الشاب إلى الملك في الحال ، واطلب منه يد إبنته ،

وقل له أنك مستعد أن تقدم له رأس النسر الكبير مهراً لها.

فعل شادي ، ودهش الملك عند سماع كلامه ، ثم قال له : إذا استطعت أن تقدم لي رأس النسر ، فأنا على استعداد لأزوجك إبنتي.

ثم باح لزوجته وابنته بسر رفضه الأمراء الذين تقدموا لخطبة نسرين ، وأخبرهما قصة الوعد المشؤوم الذي قطعه له ،

وسأل إبنته إن كانت ترضى بشادي زوجا لها ، فأجابت بالإيجاب.

خرج شادي مع حضرة الملك ، فلم يجد المجنح مع أخويه ، فخاف ألا يتمكن من تنفيذ وعده ،

خاصة وأن الملك هدده بقطع رأسه إن لم يف بوعده.

كان المجنح في تلك اللحظة قد طار في الفضاء حتى التقى بالنسر الكبير ، ووقعت بينهما معركة حامية استطاع المجنح في نهايتها قتل النسر الكبير ،

فقطع رأسه وحمله إلى حديقة الملك حيث كان أخواه ينتظرانه.

وصل شادي مكان ناظر وسامع ، وقبل أن يسألهما عن المجنح سقط رأس النسر الكبير أمامه ،

ورأى المجنح يهبط إلى الأرض ويصعد أخواه على ظهره ، وأخذ يطير بهما في الفضاء ، فلوح لهم شادي مودعا.

وبينما كانوا هم يغيبون في الفضاء ، كان شادي يحمل رأس النسر الكبير ويدخل به على الملك.

سر الملك بوعده ، وزوّج إبنته من الحطاب شادي الذي أصبح أميراً لكرم أخلاقه وحسن معاملته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?