الياقوت الأبيض
كان هناك مملكة يحكمها ملك إسمه سالم وكان عظيما مهاب الشأن وله كثير من الرجال والأعوان قال لوزيره نبيل في ليلة من الليالي :
إني أريد أن ننزل الليلة إلى المدينة ونحن متنكرين في ملابس تجار ونسأل عن أحوال الحكام المتوليين وكل من شكا منه أحد عزلناه.
سمعا وطاعة يا مولاي.
فلما نزل الملك والوزير والسياف مسرور وساروا في المدينة ومروا بالأسواق ،
وصلوا إلى زقاق فرأوا شيخا كبيرا على رأسه شبكة وقفة وفي يده عصا وهو ماشي على مهله ،
ويندب حظه ويتمنى الموت بسبب شدة فقره.
فلما سمع الملك كلامه قال لنبيل :
أنظر هذا الرجل الفقير وأنظر هذا الذي يقول فإنه يدل على إحتياجه.
ثم إن الملك تقدم إليه وقال له:
ياشيخ ، ما حرفتك ؟
يا سيدي صياد وعندي عائلة وخرجت من بيتي من نصف النهار إلى هذا الوقت ،
ولم يقسم الله لي شيئا أقوت به عيالي وقد كرهت نفسي وتمنيت الموت.
فقال له الملك :
هل لك أن ترجع معنا إلى البحر وتقف على الشاطئ وترمي شبكتك وكل ما يطلع فيها أشتريه منك بمائة دينار ؟
ففرح الرجل لما سمع هذا الكلام ، ورضي بهذا العرض ،
ثم إن الصياد رجع إلى البحر ورمى شبكته وصبر عليها ، ثم إنه جذب الخيط وجر الشبكة إليه ،
فطلع في الشبكة صندوق مقفول ثقيل الوزن.
فلما نظر الملك إليه جسه فوجده ثقيلا فأعطى الصياد مائة دينار وانصرف.
إقرأ أيضا: بلد العميان
وحمل الصندوق السياف مسرور هو والوزير نبيل وطلعا به مع الملك إلى القصر وأوقدوا الشموع والصندوق بين يدي الملك.
فقدم نبيل والسياف مسرور وكسروا الصندوق ، فوجدوا فيه قفة خوص مخيطة بصوف أحمر ،
فقطعوا الخياطة فرأوا فيها قطعة بساط فرفعوها فوجدوا تحتها إزارا فرفعوا الإزار.
فوجدوا تحته فتاة حسناء جدا ويبدو من وجهها أنها من أهل المملكة ، لكنها كانت مقتولة ومقطعة !
فلما نظر الملك جرت دموعه على خده والتفت إلى نبيل وقال :
يا كلب الوزراء أتقتل القتلى في زمني ويرمون في البحر ويصيرون متعلقين بذمتي ؟
والله لابد أن أقتص لهذه الصبية ممن قتلها وأقتله ، وقال لنبيل :
وحق إتصال نسبي بالملوك إن لم تأتني بالذي قتل هذه لأنصفها منه ،
لأصلبنك على باب قصري أنت وأربعين من بني عمك ، واغتاظ الملك فقال نبيل :
أمهلني ثلاثة أيام.
أمهلتك.
ثم خرج نبيل من بين يديه ومشى في المدينة وهو حزين وقال في نفسه :
من أين أعرف من قتل هذه الفتاة حتى أحضره للملك ؟
وإن أحضرت له غيره يصير معلقا بذمتي ولا أدري ما أصنع.
ثم إن نبيل بدأ يعمل مع رئيس الشرطة في البحث عن قاتل الفتاة لمدة ثلاثة أيام ،
وفي اليوم الرابع أرسل إليه الملك يطلبه ، فلما تمثل بين يديه قال له :
أين قاتل الفتاة ؟
يا مولاي هل أنا أعلم الغيب حتى أعرف قاتلها ؟
فاغتاظ الملك وأمر بصلبه على باب قصره ، وأمر مناديا أن ينادي في الشوارع :
من أراد الفرجة على صلب الوزير نبيل وصلب أولاد عمه على باب قصر الملك فليخرج ليتفرج.
إقرأ أيضا: يحكى أن دجالا جاء إلى إحدى المدن
فخرج الناس من جميع الحارات ليتفرجوا على صلب نبيل وصلب أولاد عمه ولم يعلموا سبب ذلك في البداية ،
ثم بعد قليل بدأ يقرأ أحدهم أمام الجماهير الغفيرة سبب الصلب وهو عجز الوزير عن أن يأتي بقاتل فتاة ،
كما كلفه الملك بذلك للقصاص من القاتل.
ثم أمر بنصب الخشب فنصبوه وأوقفوهم تحته لأجل الصلب ،
وصاروا ينتظرون الإذن من الملك ، وصار الناس يتباكون على نبيل وعلى أولاد عمه ،
فبينما هم كذلك وإذا بشاب حسن الصورة نقي الأثواب يمشي بين الناس مسرعا إلى أن وقف بين يدي الوزير وقال له :
سلامتك من هذه الوقفة يا سيد الأمراء وكهف الفقراء أنا الذي قتلت القتيلة التي وجدتموها في الصندوق فاقلتني فيها واقتص لها مني.
فلما سمع نبيل كلام الشاب وما أبداه من الخطاب فرح بخلاص نفسه وحزن على الشاب ،
فبينما هم في الكلام وإذا بشيخ كبير يفسح الناس ويمشي بينهم بسرعة إلى أن وصل إلى نبيل والشاب فسلم عليهما ثم قال :
أيها الوزير لا تصدق كلام هذا الشاب فإنه ما قتل هذه الفتاة إلا أنا فاقتص لها مني ، فقال الشاب :
أيها الوزير إن هذا شيخ كبير خرفان لا يدري ما يقول ، وأنا الذي قتلها فاقتص لها مني ،
فقال الشيخ :
ياولدي أنت صغير تشتهي الدنيا وأنا كبير قد شبعت منها وأنا أفديك وأفدي الوزير وبني عمه ،
وما قتلها إلا أنا فبالله عليك أن تعجل بالإقتصاص مني.
فلما نظر إلى ذلك الأمر تعجب منه وأخذ الشاب والشيخ وطلع بهما عند الملك
وقال :
يا مولاي قد حضر قاتل الفتاة.
أين هو ؟
إن هذا الشاب يقول أنا القاتل وهذا الشيخ يكذبه ويقول لا بل أنا القاتل.
فنظر الملك إلى الشيخ والشاب وقال :
من منكما قتل هذه الفتاة ؟!
إقرأ أيضا: الخاتم المكسور
فقال الشاب :
ما قتلها إلا أنا.
وقال الشيخ :
ما قتلها إلا أنا.
فقال الملك لنبيل :
خذ الإثنين واصلبهما.
فقال نبيل :
إذا كان القاتل واحدا فقتل الثاني ظلم ، فقال الشاب :
وحق من رفع السماء ورفع الأرض إني أنا الذي قتلت الفتاة وهذه إمارة قتلها.
ووصف ما وجده الملك فتحقق عند الملك أن الشاب هو من قتل الفتاة ، فتعجب الملك وقال :
ما سبب قتلك هذه الفتاة بغير حق وما سبب إقرارك بالقتل من غير ضرب وقولك اقتصوا لها مني ؟
فقال الشاب :
إعلم يا مولاي أن هذه الفتاة زوجتي وبنت عمي وأن هذا الشيخ هو أبوها وعمي ،
وتزوجت منها وهي بكر فرزقني الله منها ثلاثة أولاد ذكور وكانت تحبني وتخدمني ولم أرى عليها شيئا ،
إلى أن مرضت مرضا شديدا منذ ما يقارب شهر ونصف فأحضرت لها الأطباء وقد عجزوا جميعا أمام مرضها ،
حتى كان آخرهم الذي أخبرني بأن علاجها بأن أحضر لها حجرا كريما نادرا هو حجر الياقوت الأبيض ترتديه في خاتمها لمدة عشرة أيام.
فطلعت من ساعتي إلى المدينة وفتشت على الحجر ، فبت تلك الليلة وأنا متفكر.
فلما أصبح الصباح خرجت من بيتي ودرت على بائعي الأحجار الكريمة واحدا واحدا فلم أجد فيها ،
فصادفني شيخ كبير فسألته عن الحجر فقال :
يا ولدي هذا الشيء قل أن يوجد ، لكن إذهب إلى العاصمة وابحث عنه فربما تعثر عليه.
فجئت إلى زوجتي وقد حملتني محبتي إياها على أن هيأت نفسي وسافرت خمسة أيام في الذهاب والإياب ،
و بحثت عن الحجر كثيرا ولم أعثر عليه إلا عند بائع واحد واشتريته منه بعشرة دنانير.
وجئت لها به وارتدته في إصبعها لمدة عشرة أيام حتى شوفيت بإذن الله ،
وبعد ذلك خرجت من البيت وذهبت إلى دكاني وجلست في بيعي وشرائي.
فبينما أنا جالس في وسط النهار ، وإذا بعبد أسود مر علي وفي يده حجر كريم يشبه الذي أحضرته لزوجتي يلعب به فقلت له :
إقرأ أيضا: زواج إمرأة
من أين أخذت هذا الحجر حتى آخذ مثله ؟
فضحك العبد الأسود وقال :
أخذته من حبيبتي ، وقد كنت غائبا وعندها الحجر ،
فقالت إن زوجي سافر من أجله إلى العاصمة فاشتراه لها فأخذت منها هذا الحجر.
فلما سمعت كلام العبد يا مولاي إسودت الدنيا في وجهي وقفلت دكاني وجئت إلى البيت وأنا فاقد للعقل من شدة الغيظ ،
بحثت عن الحجر فلم أجده.
فقلت لها :
أين الحجر الكريم ؟
لا أدري ولا أعرف أين ذهب.
فحينئذ تحققت قول العبد ، وقمت أخذت سكينا وركبت على صدرها ونحرتها بالسكين ،
وقطعت رأسها وأعضائها ثم قمت مسرعا بوضعها في قفة وتغطيتها وأنزلتها في الصندوق وقفلته ،
وحملتها على حصاني وقمت بعد ذلك برميها في البحر.
فبالله عليك يا مولاي أن تقتلني قصاصا لها فإني خائف من العقاب يوم الحساب فإني لما رميتها في البحر رجعت إلى البيت.
وإذ بولدي الكبير يبكي ولم يكن يعلم بما فعلته بأمه فقلت له :
ما يبكيك ؟ ..
إني أخذت الحجر الذي عند أمي ونزلت به إلى الرفاق ألعب مع إخواني وإذ بعبد أسود طويل خطفه وقال لي.
من أين جائك هذا ؟
سافر أبي وجاء به من العاصمة من أجل أمي وهي ضعيفة واشتراه لها.
فأخذه مني وضربني وذهب به ، فخفت من أمي أن تضربني بسبب هذا.
فلما سمعت كلام الولد علمت أن العبد هو الذي إفترى الكلام الكذب على إبنة عمي وتحققت أنها قتلت ظلما.
ثم إني بكيت بكاء شديدا ، وإذ بهذا الشيخ وهو عمي ووالدها قد أقبل فأخبرته بما كان فجلس بجانبي يبكي.
ولم نزل نبكي حتى منتصف الليل.
إقرأ أيضا: يقول شاب أعجبت بفتاة ملتزمة لم أتأخر بإخبار أمي عنها
وبعد يومين رأيت تجارتي بحاجة لشراء بعض البضائع فجئت إلى العاصمة لشرائها وقد وصلت العاصمة بعد يومين من السفر ،
فسمعت بأن الوزير نبيل سيصلب في جريمة أنا الذي إرتكبتها ، فلم أقبل هذا فاعترفت على نفسي بما فعلته.
فبحرمة أجدادك أن تعجل بقتلي وتقتص لها مني.
فلما سمع الملك كلام الشاب تعجب وقال والله لا أقتل إلا هذا العبد الخبيث.
ثم بعد هذا عاد الملك من جديد يهدد وزيره بالقتل في حالة عدم إتيانه له بالعبد الخبيث الذي تسبب في قتل وتقطيع الفتاة الصالحة ،
وإلقاء جثتها في البحر فنزل الوزير يبكي ويقول لنفسه : من أين أحضره ؟!
ثم إنه بدأ يعمل مع رئيس الشرطة في البحث عن العبد ومرت ثلاثة أيام ولم يعثر على العبد ،
وفي اليوم الرابع أتى إليه رسول الملك ، وقال له :
إن مولانا ملك البلاد في أشد ما يكون الغضب.
فبكى نبيل وبكى أولاده.
فلما فرغ من التوديع تقدم إلى إبنته الصغيرة ليودعها وكانت أحب أولاده إلى قلبه ،
فضمها إلى صدره وبكى على فراقها ، فوجد أن شيئا في جيبها فقال لها :
ما هذا الذي في جيبك ؟
هذا حجر كريم جاء به عبدنا ريحان وله معي ستة أيام ، وما أعطاه لي حتى إشتريته منه بأربعة دنانير.
فلما سمع نبيل بذلك العبد والحجر فرح كثيرا وقال : يا قريب الفرج يا مجيب الدعاء.
ثم إنه أمر بإحضار العبد فحضر ، فقال له :
من أين هذا الحجر ؟
يا سيدي قد كنت وصلت بعد سفر يومين إلى مدينة الشاب الذي قتل زوجته كما طلبت مني لشراء بعض ما يحتاجه القصر ،
فدخلت في بعض أزقة المدينة فنظرت صغارا يلعبون ومع واحد منهم هذا الحجر فخطفته منه ،
وضربته فبكى ، وقال هذا لأمي وهي مريضة ووصف لها الطبيب إرتداء هذا الحجر في إصبعها ،
إقرأ أيضا: 12 نصيحة ستغير بها ذاتك
لأنه يجلب الحظ فسافر أبي إلى العاصمة وجاء لها به.
فأخذت منه الحجر ألعب به فبكى فلم ألتفت إليه ، وأخذته وأتيت به هنا فاشترته مني سيدتي الصغيرة بأربعة دنانير.
فلما سمع نبيل هذه القصة تعجب لكون الفتنة وقتل الفتاة من عبده ، وأمر بسجن العبد ، وفرح بخلاص نفسه.
ثم إنه أحضر العبد من سجنه وصعد به إلى الملك ، الذي أمر بأن تؤرخ هذه الحكاية ، وتجعل سيرة بين الناس.
فقال له الوزير : لقد جئت لك بالعبد الذي تسبب في مقتل الفتاة ، وهو قد إعترف بذنبه وندم عليه أشد الندم ،
وهو الآن ينتظر أن يصلب نتيجة ما إرتكبه من شر ، فهل يكفيك هذا يا مولاي.