بائعة الكبريت
إنها قصة مؤلمة وحزينة ﺗﺘﺤﺪﺙ ﻋﻦ ﻃﻔﻠﺔ جميلة فقيرة ﺗﺒﻴﻊ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ، ماتت بسبب تعرﺿﻬﺎ ﻟﻠﺒﺮﺩ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ والجوع.
ففي يوم إﺣﺘﻔﺎﻝ ﺑﺮﺃﺱ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻳﺔ ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﺐ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻤﻄﺮﺍ ﻭﺗﺘﺴﺎﻗﻂ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺜﻠﻮﺝ ،
يرغمها والدها القاسي على الخروج وسط العاصفة الثلجية لتبيع علب الكبريت ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ،
ﻭﺭﻏﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﺠﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺮﺩ ولم تستطع المقاومة ،
ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺨﺎﻑ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻨﺰﻝ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺒﻴﻊ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻌﻬﺎ.
ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺠﻮﻉ ﺷﺪﻳﺪ ﻭﻻ ﺗﺮﺗﺪﻱ ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻲ ﻣﻦ ﻣﻼﺑﺲ ﻟﺘﺪﻓﺌﺘﻬﺎ وﺭﺃﺳﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻋﺎﺭﻳﺔ.
ﻭﻓﻲ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻴﺮﻫﺎ ﻓﻘﺪﺕ ﺍﻟﺤﺬﺍﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺮﺗﺪﻳﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ،
ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺃﻫﻠﻜﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺮ ﻟﻜﻲ ﻳﺸﺘﺮﻱ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﺷﻌﺮﺕ ﺍﻟﻄﻔﻠﺔ ﺑﺎﻹﻧﻬﺎﻙ ﻭﺍﻟﺘﻌﺐ ،
ﻭﺭﻏﻢ ﻛﻞ ﻣﺎ ﺑﺬﻟﺘﻪ ﻣﻦ ﻣﺠﻬﻮﺩ ﺇﻻ أنه ﻟﻢ ﻳﺸﺘﺮي ﻣﻨﻬﺎ ﺃﺣﺪ الكبريت.
ﻭﻫﻨﺎ ﻗﺮﺭﺕ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺃﻥ ﺗﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﺯﺍﻭﻳﺔ ﺑﺄﺣﺪ ﺍﻟﺸﻮﺍﺭﻉ ﻟﻜﻲ ﺗﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺪﻑﺀ ،
ﻓﻘﺪ ﻗﺮﺭﺕ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﺑﺈﺷﻌﺎﻝ ﺃﻋﻮﺍﺩ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ ﻟﻜﻲ ﺗﺪﻓﺊ ﻧﻔﺴﻬﺎ ،
ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﺍﻷﻭﻝ ﺳﻮﻑ ﻳﻤﻨﺤﻬﺎ ﺍﻟﺪﻑﺀ ﻟﻜﻦ ﺣﻠﻤﻬﺎ ﺑﺪﺃ ﻳﺨﺒﻮ ﻋﻨﺪﻣﺎ إﻧﻄﻔﺄ ﺍﻟﻌﻮﺩ ﺍﻷﻭﻝ ،
ﻭﻇﻠﺖ ﺍﻟﻔﺘﺎﺓ ﺗﺸﻌﻞ ﺃﻋﻮﺍﺩ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺖ عود تلو العود ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﺗﺸﻌﻞ ﻋﻮﺩﺍ ﺗﺘﺨﻴﻞ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﺣُﺮﻣﺖ ﻣﻨﻪ.
حتى نفذت الأعواد ، فعاودت محاولة إشعال الأعواد المطفأة بالجدار الذي إلتصقت به ، أملاً في أن تشتعل وترى أحلامها البعيدة.
حتى إنتهت أعواد الكبريت التي بين يديها وتذكرت وهي تحتضر ،
مقولة جدتها إن نجمة من السماء تسقط ، حين يحتضر شخص ما.
وقد رأت نجمة تسقط ، وهي تشخص بعينيها نحو السماء باحثة عن خلاص.
ثم رأت جدتها التي عاشت عمرا بهيجا ، تقترب منها لتحتضنها وتأخذها معها إلى السماء ،
حيث لا برد ولا جوع ، ولا ظلم البشر ، ولا إستبدادهم واضطهادهم.
فماتت وهي غارقة في هذيانها وماتت معها ﺃﺣﻼﻡ ﻃﻔﻠﺔ كانت تنشد الحياة.