بخيل القلب والحب
تفكرت في كثير من أسباب تعاسات الأزواج وجفوات الأشقاء وذوي الأرحام ،
بل حتى التباعد بين الآباء والأولاد فوجدت أن بلادة المشاعر وإهمال العاطفة من أعظم الأسباب.
ويبدو أننا من فرط تعاملنا مع الآلات أصبحنا مثلها-إلا من رحم الله-
أصبحنا آلات في علاقاتنا الزوجية ، ومشاعرنا الأبوية ، وعلاقاتنا الأخوية والعائلية.
يمر على أحدنا الوقت الطويل دون كلمة حانية لزوج ، أو ضمة أبوية لبنت ، أو زيارة أخوية لحبيب ،
حتى تيبس منا أروع ما خلق الله فينا ، مشاعرنا وعواطفنا!
حتى قال القائل : لو قيل في حياتنا الحقيقية معشار ما نقرؤه في وسائل التواصل من عبارات الحب ،
لفاض الحب في الكون حتى تلقيه الأرض إلى البحر.
العاطفة يا سادة ، ملح الدنيا ، ومكمن سعادة الغني والفقير.
حاجة الإنسان إلى كلمات العطف والحنان والود لا تقل عن حاجته لكسرة الخبز وشربة الماء ،
سيما في هذا الزمان الصعب الجاف.
في الماضي كان النبي صل الله عليه وسلم يطلب من أصحابه أن يعبروا عن مشاعرهم لبعضهم عيانا بيانا ،
لأن الشعور لا قيمة له إن لم تمتع به أذن الآخر ، فكان يقول لأصحابه : من أحب أخا له فليخبره أنه يحبه في الله.
وجعل حرمان الولد من القبلة دليل على إنتزاع الرحمة من القلب عندما قال لمن لا يقبل أولاده :
وما أملك لك أن نزع الرحمة من قلبك؟!
وكان يقوم لفاطمة أمام أصحابه ويقبلها بين عينيها ، فكيف كان حنانه ورحمته بها في بيته.
ويلاطف زوجاته ويجمعهن كل ليلة في بيت من عليها الدور يعلمهن الدين ،
ويعبئ قلوبهن بالعطف والود حتى يأتي دورها وحدها.
إقرأ أيضا: مساكين لا أقصد أهل الحب
فما الذي صعّب كلمة الحب على الأزواج والأصحاب والآباء ،
حتى صارت ثقيلة رغم أنها حروف يخرج هواؤها من بين الشفاه لا تكلف أحدنا شيئا؟!
إنني لأشعر أن عقوبة الله لبعضنا لحرمانه شيئا منحه الله إياه ليخرجه لا ليكدسه!
كم رأيت من أغنياء المال فقراء المشاعر تعساء الأحوال؟!
وكم رأيت من فقراء سعداء رأس مالهم القلب العامر واللفظ الغامر؟
فالغنى الحقيقي يكمن خلف القلوب المتدفقة السعيدة لا اليابسة المتشققة العنيدة!
وقديما قالت العرب : الكرم شيء هين ، وجه طلق وكلام لين.
فكوا أكياس مشاعركم ، واسكبوا منها على الآباء والأمهات والأزواج والزوجات والبنين والبنات والإخوة والأخوات.
فما رأيت أخسر ممن آتاه الله خزائن ، فظل يقتِّر فيها حتى مات ،
فلا هو قد تمتع بها في الدنيا ، ولا هو قد نجا من سؤال الله له عنها يوم القيامة.
ورحم الله علي بن أبي طالب عندما قال :
عجبت للبخيل ، يعيش عيشة الفقراء ، ويحاسب حساب الأغنياء!
وهذه عقوبة بخيل الجيب ، فكيف ببخيل القلب والحب؟!