بشير ونوسة العروسة الجزء الأخير
هتف بشير يا قوم لابدّ أن تتعاونوا جميعا حتى تستطيعون زحزحة السفينة ، فلنجتمع جميعا في ناحية ، ونحاول بكل قوتنا أن نشدها إلينا.
لم يلتفت إليه أحد أو يعيره اهتماما ، عندما أتمّ كلامه أحس بالندم ، ولام نفسه.
وأحس بحزن يعتصر قلبه ، جرى إلى بيته ، وهو ينوي أن يعتذر ، لكنه حينما وصل لم يجد لا البيت ولا نوسة.
فأسرع إلى كبير المدينة يستنجد به ، فأخبره أنّه طلّق إمرأته ، وأنّه لم يستطع الحفاظ على وعده لها ولأبيها ،
وهذا شرط البقاء معهم ، وظل بشير يقسم أنّه أراد فقط إسداء النّصح ، ولم يتدخّل في شأن أحد ،
وحاول أن يسترضي الكبير ، لكن قال له ليس لذلك فائدة ، فأمر الله نفذ والنّصيب انتهى ولابدّ للمكتوب أن يصير.
بهت بشير ، لكنّه طالب أن يفهم ، فذكّره كبير المدينة بالمراّت التي خرج فيها ، وقال :
في جولتك الأولى وجدت العجوز يأكل من الشجرة ، فنصحته أن يقطع الفرع بأكمله.
فأجاب بشير : نعم لقد رأيته ، وأشفقت عليه من الشقاء ، فما هو الخطأ في ذلك يا سيدي؟
أجاب الكبير : إنه ” ملك الموت ” والورقة التي يأكلها إنما هي روح فاضت لخالقها سواء كانت خضراء صغيرة السن ،
أو صفراء بلغت آخر العمر ، وتدخّلت أنت في أقدار الناس ، وكنت تريده أن يقطع فرعا بأكمله مليئا بأرواح البشر.
أحس الرجل بالخيبة من نصيحته ، فقد تكلم بما ليس له علم به.
طأطأ برأسه وسأل والطلاق الثاني كيف وقع؟
فقال له الكبير : الرجل الذي كان يجلس على البئر يوزع الماء على البئر الآخر هو قاسم الأرزاق :
فهناك من يملأ له نصف الدلو ، وهناك من يملأ له الدلو كاملا ، وهناك من ليس له رزق فكيف تتدخل في أرزاق الناس؟
وأسقط في يد الرجل ولم يجد ما يقوله ، فلم تكن نصيحته إلا سوء تدبير منه.
إقرأ أيضا: ابنة الجار الجزء الأول
واصل الكبير توبيخه ، واليوم ألا تذكر ما فعلت : ألم تجد غير السفينة وناسها لتتدخّل في شؤونهم؟
فحاول أن يدافع عن نفسه ، وقال : ولكنّي أصدقتهم النصيحة ، لقد كانوا يضيعون جهودهم!
قال الكبير وهو يتحسر على جهل الرجل ، يا مسكين!
السّفينة هي الدّنيا ، وكلّ من هؤلاء الناس يحاول أن يأخذها لنفسه ، وكل منهم يتخيل أنها تأتي ناحيته ،
ولكنها ثابتة لا تذهب لأحد وسيظل الناس يحاولون معها ، ولن يرتاحوا ، ويكرّرون والجهد ليفعلوا شيئاً مع الدنيا.
هكذا هي الدّنيا وأنت لم تستطيع أن تفهمها أو تفهم ناسها والأن قضي الأمر.
وضع بشير رأسه بين يديه وبكى على نوسة ، ولمّا رفع رأسه نظر حوله وجد نفسه في الجبل مع الناس الذين يولولون ،
يبكي مثلهم ويتمتم مثلهم ” يا ريت اللي جرى ما كان “.